السبت، 28 مارس 2009

حتى تكون أسعد الناس


الإيمانُ يُذْهِبُ الهموم ,


ويزيلُ الغموم,


وهو قرةُ عينِ الموحدين,


وسلوةُ العابدين


ما مضى فاتَ, وما ذهبَ ماتَ ,


فلا تفكرْ فيما مضى, فقد ذهب وانقضى ارض بالقضاءِ المحتومِ, والرزقِ المقسومِ,


كلُّ شيءٍ بقدرٍ، فدعِ الضَّجَرَ
ألا بذكر اللهِ تطمئنُّ القلوبُ, وتحطُّ الذنوبُ, وبه يرضى علاّمُ الغيوبِ, وبه تفرجُ الكروبِ
لا تنتظرْ شكراً من أحدٍ, ويكفي ثواب الصمدِ, وما عليك ممَّنْ جحدَ, وحسدَ

إذا أصبحت فلا تنتظرِ المساء, وعشْ في حدودِ اليومِ, وأجمعْ همَّك لإصلاحِ يومِك لأنك إذا أصلحت يومك صلح غدك .
دع الضجر ولا تبحث عن المستقبل اتركه حتى يأتي واعلم أن مع العسر يسرا وأن الفرج مع الكرب
تفاءل ولا تقنط ولا تيأس واحسن الظن بربك وانتظر منه كل خير وجميل توكل على الله وفوض الأمر إلية , وارض
بحكمة , والجأ إلية وأعتمد علية فهو حسبك وكافيك .
· كرر " لا حول ولا قوة إلا بالله " فأنها تشرح البال , وتصلح الحال , وتحمل بها الأثقال , وترضى الجلال .
أكثر من الاستغفار , فمعه الرزق والفرج والذرية والعلم النافع والتيسير وحط الخطايا اعلم أن مع العسر يسراً ، وأن الفرج مع الكرب وأنه لا يدوم الحال ، وأن الأيام دول .
من كتاب لاتحزن الشيخ عائض القرنى

الثلاثاء، 24 مارس 2009

أحمد ياسين : طريق بدأ ولن ينتهي !



أحمد ياسين : طريق بدأ ولن ينتهي !

على تلك الأمتار القليلة التي فصلت بين بيت الشيخ أحمد ياسين والمسجد الذي احتضن ركعاته وسجداته، اختزلت سنوات طويلة من عمر القضية الفلسطينية.. على تلك الأمتار القليلة تكاملت أركان ملحمة جهادية كبرى بتضحياتها وبطولاتها وصمودها... ورفضها للاستسلام والخنوع! على تلك الأمتار القليلة التي خطت عليها عجلات كرسي الشيخ دربها جيئة وذهابًا إلى المسجد.. خط الشيخ معها (شموخًا تنحني له هامة الدنيا خجولة) حيًّا وميتًا! على تلك الأمتار القليلة، كان الشيخ المقعد (يمشي) (وينتصب) مرفوع الرأس عظيمًا كجبل، مخلفًا خلفه الملايين من أمة الإسلام، مشلولين.. مقعدين وهم أصحاء.. كهشيم يسكن السفح.. كان الشيخ أمة بأسرها سكنت جسد رجل واحد.. وكان في قلبه ألف ألف فارس.. وكان كرسيه آلة حربية جبارة زلزلت الأرض من تحت أرجل الأعداء وألهبت السماء من فوق رؤوسهم ومن تواطأ معهم! على تلك الأمتار القليلة تحقق للشيخ أحمد ياسين ما أراد، فهو الذي طالما ردد "لن يضر حماس أو أحمد ياسين أن أسقط شهيدًا..؛ فهي أغلى ما نتمنى".. تحقق له ما أراد.. وحقق الله به عجيبة من عجائبه، فهاهو (المقعد) يموت موتة الأبطال (بصاروخ ضربه من هنا وخرج من هنا) ويهراق دمه، ليحيا في قلوب الناس إلى أبد الآبدين، ولينقش اسمه بأحرف من نور في أنصع صفحات التاريخ.. في حين مات ويموت عشرات الزعماء والرؤساء والعلماء من أذناب الأنظمة والسلاطين على فرشهم كالدواب النافقة مجللين بعار لا تغسله كل بحار الدنيا! على تلك الأمتار القليلة، ترجل الفارس.. (صلاح الدين) هذا العصر.. ووضع سيفه في عهدة تلاميذه، ليلتحق بركب الشهداء بإذن الله. وليلتحق كل الخونة والمستسلمين بركب التعساء المخزيين بأمر الله! على تلك الأمتار القليلة، توقف قلب الشيخ عن الخفقان وفاضت روحه إلى بارئها.. لكنه رغم ذلك بقي حيًّا! فأحمد ياسين صار منذ زمن بعيد اسمًا لمدرسة عظمى واسمًا لمؤسسة كبرى واسمًا لمنهج أسمى.. أحمد ياسين اسم لا يموت.. أحمد ياسين نهج لا يتلاشى.. أحمد ياسين طريق بدأ ولن ينتهي! على تلك الأمتار القليلة صادق أرييل شارون على مشروع إزالة كيان الصهاينة وهو لا يدري.. صادق على البدء في تنفيذ أسوأ كابوس سيعيشه بني جلدته في حياتهم.. فكل قطرة دم سالت من جسد الشيخ الغالي ستنفجر بركان غضب في وجه الصهاينة المحتلين.. وكل جرح أصاب جسد الشيخ القائد سينبت ألف حربة وألف خنجر وألف سكين! وكل خلية انشطرت من جسده ستصبح قنبلة تنشطر ألف شظية في جسد بني صهيون! { وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون } ! * * * اللهم إنا نسألك أن تجعل قبر شيخنا روضة من رياض الجنة, اللهم إنا نسألك له الفردوس الأعلى.. اللهم آجرنا في مصيبتنا واخلفنا خيرا منها .

الاثنين، 16 مارس 2009

الجمعة، 13 مارس 2009

العدل


العدل
مفهوم العدل
العدل في الكتاب والسنة
العدل بين النسبية والثبات
العدل فى المنهج الإسلامى ومساراته
جزاء العدل
أمثلة للعدل
ثمرات العدل
مفهوم العدل:
العدل في اللغة:
العَدْلُ: ما قام في النفوس أنه مستقيم، وهو ضد الجور، ويقال: عَدَلَ عن الطريق عُدُولاً، مال عنه وانحرف.
والعَدْلُ: الحكم بالحق، يقال: هو يقضي بالحق، ويعدل، والعَدْلُ والعِدْلُ والعَدِيلُ سواء، أي النظير والمثيل، فعِدل الشيء مثله من ضده، أو مقداره. والتعادل: التساوي، وعدَّلته تعديلاً فاعتدل: سوَّيته فاستوى، وعَدَلْتُ فلاناً بفلان، إذا سوَّيت بينهما، وتعديل الشيء، تقويمه، يقال: عدَّلته تعديلاً، فاعتدل، إذا قومته فاستقام
يقول الرافعى : العدل يعنى الوسط مشتق من المعادلة بين شيئين بحيث يقتضي شيئاً ثالثاً وسطاً بين طرفين. لذلك كان اسم الوسط يستعمل في كلام العرب مرادفاً لمعنى العدل. فقد روى الترمذي عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله (ص) في تفسيره لقوله تعالى: (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً)، قال: (عدلاً، والوسط هو العدل).
العدل في الاصطلاح:
عرفه الجرجاني ـ رحمه الله ـ بقوله: " هو عبارة عن الأمر المتوسط بين طرفي الإفراط والتفريط "
ويقول في موضع آخر: " والعدل مصدر بمعنى العدالة، وهو عبارة عن الاستقامة على طريق الحق، بالاجتناب عما هو محظور ديناً ".
وقيل العدل هو الإنصاف، وإعطاء المرء ما له، وأخذ ما عليه. وقد جاءت آيات كثيرة في القرآن الكريم تأمر بالعدل، وتحث عليه، وتدعو إلى التمسك به، يقول تعالى: {إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى} [النحل: 90]. ويقول تعالى: {وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل} [النساء: 58]. والعدل اسم من أسماء الله الحسنى وصفة من صفاته سبحانه
العدل في الكتاب والسنة:
1-العدل من الأسس التي عليها عمار الكون، وصلاح العباد، لذا حث عليه الإسلام وجعله أساسًا للحكم بين الناس: لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس {الحديد: 25}.فالعدل في الاسلام ميزان الله على الأرض، به يؤخذ للضعيف حقه وينصف المظلوم ممن ظلمه، وفي الحديث القدسي: ((يا عبادي إني حرّمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا)). وأبواب السماء مفتوحة أمام الإمام العادل وأمام المظلوم على سواء، يقول عليه الصلاة والسلام: ((ثلاثة لا تردّ دعوتهم: الإمام العادل، والصائم حتى يفطر، ودعوة المظلوم)). فالله سبحانه يجيب دعوته، وينصف من يستغيث به، ويدفع عنه مظلمته. بل أباح للمظلوم فوق ذلك الدعاء على الظالم والتشهير به وقول السوء في حقه حتى يرجع عن ظلمه، مصداقاً لقول الله تعالى: (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظُلم).
لقد دعا الاسلام إلى عدالة اجتماعية شاملة ترسيخاً لفكرة العدل كمبدأ، وتنمية لها كسلوك لأن العدل هو أهم الدعائم التي يقوم عليها كل مجتمع صالح. فالمجتمع الذي لا يقوم على أساس متين من العدل والإنصاف هو مجتمع فاسد مصيره إلى الانحلال والزوال.
وعدالة الاسلام ذات سمة خاصة تميزها عن سائر العدالات. فمجتمع الاسلام يقوم على توحيد الإله وتوحيد الأديان جميعاً في دين الله الواحد، وتوحيد الرسل في الدعوة بهذا الدين الموحد منذ نشأة الحياة: (إن الدين عند الله الاسلام) و (إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون).
ومجتمع الاسلام يقوم على الوحدة بين العبادة والمعاملة والعقيدة والسلوك والروحيات والماديات والقيم الاقتصادية والقيم المعنوية والدنيا والآخرة.
وعلى هذا، فإن عدالة الاسلام تتناول جميع مظاهر الحياة وجوانب النشاط فيها، وتسعى إلى تحقيق العدالة فيها بوسائل شتى.
2-الله سبحانه وتعالى هو الحكم العدل المقسط، فهو سبحانه لا يحكم إلا بالحق، ولا يقول إلا الحق، ولا يقضي إلا بالحق: والله يقضي بالحق.
وقد نفى سبحانه الظلم عن نفسه، وحرمه على عباده، فقال تعالى: وما ربك بظلام للعبيد {فصلت: 46}، وقال في الحديث القدسي: "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا". {رواه مسلم، ك البر والصلة 2577}.
والله سبحانه وتعالى هو الحكم الملزم حكمه كونًا وشرعًا، وشرائعه سبحانه عدل كلها، فلا خير إلا فيها، ولا عدل إلا بها: إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم.
3-القرآن يحث على العدل والإحسان، وينهى عن المنكر والبغي: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون{النحل: 90}.
ويأمر الحكام بآداء الأمانات إلى أهلها والحكم بين الناس بالعدل، ويحث الرعية على طاعة أولي الأمر: إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا (58) يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا {النساء: 58، 59}.
ويحث على العدل في المقال- القول- والعدل في الفعال- العمل-: يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا {النساء: 135}، وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا {الأنعام: 152}.
4-التزام العدل واجب حتى في الفتن والاقتتال بين المسلمين: وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين {الحجرات: 9}.
وواجب على المسلمين أن يلزموا العدل حتى مع الأعداء، فلا تكون عداوتهم وبغضهم سببًا في ظلمهم؛ لأن المسلمين هم حملة المنهج الرباني الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ليقيم العدل: يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون {المائدة: 8}.
ولما رأى المسلمون ما حدث بقتلاهم يوم أحد من تمثيل قالوا لو أصبنا منهم يومًا من الدهر لنزيدين عليهم، فأنزل الله: وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين {النحل: 126}.رواه عبد الله بن أحمد، والطبراني، وقال ابن حجر في الفتح: وقد ذكر روايات ضعيفة في هذا الباب، وهذه طرق يقوي بعضها بعضًا (ج7 ص430).
وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم فضيلة العدل والإمام العادل في أحاديث كثيرة منها قوله صلى الله عليه وسلم : "سبعة يظلهم الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل". متفق عليه، وقوله صلى الله عليه وسلم : "المقسطون عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن عز وجل، وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا". {مسلم 1827} وقال صلى الله عليه وسلم : "إن أحب الناس إلى الله يوم القيامة وأقربهم منه مجلسًا إمام عادل، وإن أبغض الناس إلى الله يوم القيامة وأشدهم عذابًا إمام جائر". {الترمذي 1329، والبغوي في شرح السنة (ج10 ص65)، وقال: حسن غريب}.
بعث النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن رواحة إلى أهل خيبر يخرص عليهم ثمارهم وزروعهم، فأرادوا أن يقدموا إليه رشوة ليرفق بهم، فقال لهم: والله لقد جئتكم من عند أحب الخلق إليَّ، ولأنتم أبغض إليَّ من أعدادكم من القردة والخنازير، وما يحملني حبي إياه، وبغضي لكم على ألا أعدل فيكم، فقالوا: بهذا قامت السماوات والأرض. {أبو داود وابن ماجه بسند حسن، ورواه مالك في الموطأ مرسلاً}.
وجاء جعدة بن هبيرة إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال: يا أمير المؤمنين، يأتيك الرجلان أنت أحب إلى أحدهما من أهله وماله، والآخر لو يستطيع أن يذبحك لذبحك فتقضي لهذا على هذا؟ فقال علي: إن هذا شيء لو كان لي فعلتُ، ولكن إنما ذا شيء لله. {ذكره ابن كثير في البداية والنهاية في ترجمة علي ج8 ص6}.
العدل بين النسبية والثبات:
يقول الشيخ القرضاوى حفظه الله:
(لكي نعرف مدى حاجتنا إلى الكتاب الإلهي قبل العدل، نطرح هذا السؤال: ما معنى العدل؟
فقد يزعم الماركسيون أن ما يدعون إليه هو العدل بعينه، وأن الملكية الفردية هي مصدر كل ظلم وجور في الماضي والحاضر والمستقبل، ولهذا كان إلغاؤها وتأميم وسائل الإنتاج... إلخ؛ هو صميم العدل.
وقد يرد عليهم الرأسماليون بأن تحريم الملكية على الإنسان بالقهر والجبروت، وتحكم الدولة، أو مجموعة من الناس -في رزق الإنسان وإنتاجه واستهلاكه وعمله وتنقله... إلخ- هو أكبر ظلم وقع في الماضي والحاضر أو يقع في المستقبل، وإن العدل كل العدل في ترك الناس يعملون دون تدخل من أي سلطة إلا في حدود ضيقة يحددها القانون.
ما العدل إذن ما دام أنصار كل نظام معين يضفون على نظامهم صفة العدل، ويبرئونه من كل ظلم وعدوان؟
ربما كان أقرب التعريفات التي توضح مفهوم العدل ما قاله بعض الحكماء: إنه إعطاء كل ذي حق حقه، بلا إفراط ولا تفريط.
ولكن هذا التعريف الجميل، لا يحل العقدة، حيث ينشأ هنا سؤال مهم يتطلب الإجابة أيضًا، وهو: من الذي من سلطته واختصاصه أن يوزع الحقوق على من يستحقها، وما يستحقها، فيجعل لهذا الشخص أو هذه الجماعة حقًّا، ولا يجعل لذاك أو أولئك. ويجعل لهذا الأمر حقًّا، ولا يجعل لمقابله حقًّا؟ ومن الذي يحدد مقدار الحق ومداه كما أو كيفًا؟ أليست هذه معضلة أيضًا؟
إن الاشتراكي الماركسي سيقول: من حق الدولة أن تسيطر على الإنتاج والاستهلاك، وليس من حق الأفراد أن يتملكوا الأراضي أو المصانع والآلات ونحوها، وليس من حق الآباء أن يورثوا ثروتهم من بعدهم لأبنائهم.. ومن حق المادية الجدلية أن تكون هي المنهج السائد في كل تفكير، وأن يكون التفسير المادي للتاريخ هو العمدة في تعليل كل حادث، اليوم وغدًا. وليس من حق الدين أن يعيش في هذا العصر بعد أن ثبت عندنا أنه أفيون الشعوب ومخدر للملايين.
والرأسمالي سيقول: من حقي أن أثمر مالي بالطريق الذي يجلب إليّ ربحًا أكثر، كالربا أو الاحتكار أو ما شئت، ما دمت لا أجبر على ذلك أحدًا، ولا أستعمل الحديد والنار لكي يستقرض الناس مالي ويعطوني الفوائد عليه. ومن حقي أن أتبرع للفقراء والمساكين إن طابت نفسي، وأن أقبض يدي إن شئت. ومن حقي أن أوصي بمالي كله لابني الأكبر، أو لعشيقتي أو لمن أريد من الناس. ومن حقي أن أشرب الخمر وألعب الميسر، وأن ألهو وأتنعم ما شاء لي الهوى. فالمال مالي، وما كان من ضرر فسيقع على رأسي لا على رؤوسكم، وسأتحمله وحدي.
من الذي يفصل بين هؤلاء فيما يدعون من الحقوق لأنفسهم؟ لا أحد إلا رب الناس، ملك الناس، إله الناس.
ورب الناس إنما يتصل بالناس ويبلغهم ما يريده منهم عن طريق كتبه على ألسنة رسله.
ولهذا كان الكتاب الإلهي ضرورة لا بد منها؛ ليضع للناس المبادئ العامة والأحكام الهامة التي بدون الاهتداء بها يتيهون في بيداء مهلكة، ويخبطون خبط عشواء في ليلة ظلماء. فلا ينتهون إلى مبدأ، ولا يهتدون إلى غاية، ولا يتفقون على طريق. مثل هذه المبادئ الأساسية:
هل يباح للناس التملك أو لا؟
وهل يباح في حدود وشروط أو إباحة مطلقة؟ وما هي وسائل التملك المشروع؟
وهل للمجتمع حق التدخل إذا انحرف المالك أو لا؟
وهل للضعيف حق عند القوي؟ وكيف يؤخذ منه؟
وهل يشرع التفاضل في الأرزاق إلى أي حد؟... إلخ.
وهل يشرع التوارث أو لا؟ وعمن يكون؟ وكم يكون؟... إلخ.
سؤال وجواب:
لماذا لم يترك للناس أنفسهم أن يختاروا المبادئ ويقرروا الأحكام التي يرونها أليق بهم وأصلح لشأنهم؟
والجواب: أن هذا متعذر على البشر.
فمن الناس الذين سيختارون ويقررون؟
لا شك أن اجتماع الناس جميعًا غير ممكن وغير مفيد. فلا بد من اجتماع قلة تمثل الآخرين وتعبر عنهم، ولكن من الذي يختار هذه القلة؟
قد يقال: يختارهم حاكم عادل، ولكن من الذي يضمن عدله، وحياده، أولاً، ويضمن سلامة تقديره واختياره ثانيًا، ويضمن الرضا عن اختياره ثالثًا؟!!
وقد يقال: الشعب هو الذي يختارهم، ولكن من أي الأصناف يختارهم؟ من العامة -العمال والفلاحين مثلاً- وهم الأغلبية؟
فالعامة، لا يستطيعون أن يهتدوا إلى الصواب في هذه الأمور الخطيرة.
أم من الخاصة؟ فكيف يضمن تمثيلهم لمصالح العامة وهم بشر تحكمهم -ولا شك- نفوسهم ومصالحهم عن شعور أو غير شعور؟! على أن الشعب كثيرًا ما يخدع فيختار الطالح يظنه صالحًا!.
وفوق هذا كله، فالبشر بصفتهم بشرًا - محكومون بأمرين لا خلاص منهما:
الأول: قصور المعرفة الإنسانية التي تتغير وتتبدل بتغير الظروف والأوضاع؛ نظرًا لمحدودية العقل البشري الذي تؤثر في حكمه عوامل شتى من الوراثة والبيئة والثقافة والملابسات.
والثاني: غلبة الأهواء والميول البشرية التي لا ينفك عنها إنسان مهما بلغ من حسن الأخلاق، وجمال الطباع؛ إذ لا بد أن يتأثر بالميول والنزعات الشخصية والأسرية والإقليمية والطائفية والوطنية والقومية.
وقد يتسامح في الأمر لو كان يتعلق بالجزئيات والتفصيلات، أما وهو يتعلق بالمبادئ الأساسية والأحكام الرئيسية، فالأمر أخطر وأعظم من أن يتهاون فيه.
هذا إلى أن إعطاء مجموعة من البشر حق التشريع المطلق لسائر الأمة، بحيث تختط لها منهج حياتها، وتحدد لها أهداف وجودها، ومعالم شخصيتها، وأصول علاقاتها، وقيم سلوكها، وموازين تفكيرها - إعطاء مجموعة من البشر هذا الحق، معناه في نظر الإسلام: منحهم نوعًا من "سلطة الألوهية" التي من حقها الانفراد بالحكم والتشريع، وجعلهم "أربابًا من دون الله"، أربابًا لمن يشرعون لهم فينفذون، ويأمرونهم فيطيعون. وهذا ينافي هدف الإسلام في تحرير البشر من عبودية بعضهم لبعض، وخضوع بعضهم لبعض.
سلطة الكتاب الإلهي:
من أجل ما ذكرنا كان لا بد من سلطة تمتاز بالعلم الشامل، والعدل الكامل، سلطة أعلى من سلطة البشر، سلطة معصومة لا تضل ولا تنسى، سلطة عادلة محايدة، تشرف على الجميع من عليائها، لا تتحيز لقوم دون قوم، ولا لطبقة دون طبقة، ولا لفريق دون فريق، سلطة تنظر للضعفاء نظرتها إلى الأقوياء، وللفقراء نظرتها إلى الأغنياء، وللنساء نظرتها إلى الرجال، وللمحكومين نظرتها إلى الحكام، وللسود نظرتها إلى البيض.
سلطة يتحاكم الجميع إليها فيرضون بها حكمًا؛ لأن قولها هو الفصل، وحكمها هو العدل. وتلك هي سلطة الكتاب الإلهي الذي أنزله إله ليس بينه وبين الناس نسب، إلا أنه ربهم وخالقهم وبارئهم، الرحيم بهم، والعالم بما يصلحهم وما يفسدهم: (وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ) (البقرة: 220)، (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (الملك: 14)، (إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ) (البقرة: 143).
ولا بد أن يكون هذا الكتاب مصونًا من التحريف والتبديل، حتى لا تعبث به أهواء البشر، وأوهام البشر.. ولم يبق في الأرض كتاب سماوي سليم من ذلك غير القرآن الكريم: (وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) (فصلت: 41 -42).
الميزان الذي أنزله الله:
ولكن الله أنزل مع الكتاب شيئًا آخر هو: الميزان. وقد قرن بينهما في سورة أخرى هي سورة الشورى فقال: (اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ) (الشورى: 17).
وفي سورة الرحمن يقول تعالى: (وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ * أَلا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ * وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ) (الرحمن: 7 - 9).
فما هذا الميزان الذي قرنه الله بالكتاب حينًا، وقرنه برفع السماء حينًا، وأمرنا ألا نطغى فيه ولا نخسره، وأن نقيم الوزن بالقسط؟ هل هو الميزان الحديدي الذي توزن به البضائع؟
ذهب إلى ذلك بعض المفسرين، ولكن هذا يقرن بالكيل لا بالكتاب، ثم لا يبلغ شأنه مبلغ الميزان المذكور في مطلع سورة الرحمن، المقرون برفع السماء مسكن الملائكة، ومصدر الوحي الإلهي
لا بد أن يكون إذن ميزانًا معنويًّا توزن به الأفكار لا الأشياء، والحقائق لا الحقائب، والمعاني لا الصور، ميزانًا تقوم به العقائد والأخلاق والأعمال والأشخاص، والأنظمة والمذاهب.
وأقرب عبارة لتحديد معنى هذا الميزان -والله أعلم بمراده- أنه القيم الأخلاقية الأصيلة التي توارثتها الأجيال عن النبوات الهادية، وأنه المقاييس الإنسانية السليمة التي تهتدي بالكتاب الإلهي لمعرفة الحق قياسًا للأمر بنظيره، وردًّا للفرع إلى أصله.
وقد جاء عن قتادة ومجاهد وغيرهما من مفسري السلف أن الميزان في الآية: هو العدل.
اختاره ابن جرير شيخ المفسرين، وأيده ابن كثير قائلاً (تفسير ابن كثير: 414/4، طبعة الحلبي): وهو الحق الذي تشهد به العقول الصحيحة المستقيمة، المخالفة للآراء السقيمة. كما قال تعالى: (أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ) (هود: 17)، وقال تعالى: (فِطْرَت اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا) (الروم: 30). وقال بعض الحكماء: "العدل ميزان الله في الأرض، وضعه للخلق، ونصبه للحق".
وبهذا نعلم أن الأديان السماوية كلها جاءت لتضع للناس ميزانًا خلقيًّا ثابتًا، غرس الله تعالى أصوله في فطرهم وعقولهم، ميزانًا يتحاكمون إليه، إذا أعوزهم النص من الكتاب الإلهي.
وبهذه الآية استدل الفقهاء الذين يستعملون الرأي والقياس في معرفة الأحكام الشرعية، وبينوا أن النص الصريح لا يخالف القياس الصحيح، وأن الشرع لا يفرق بين متماثلين كما لا يسوي بين مختلفين. قال المحقق ابن القيم: "قد ثبت أن الله أنزل الكتاب والميزان، فكلاهما في الإنزال أخوان، وفي معرفة الأحكام شقيقان، وكما لا يتناقض الكتاب في نفسه، فالميزان الصحيح لا يتناقض في نفسه، ولا يتناقض الكتاب والميزان، فلا تتناقض دلالة النصوص الصحيحة ولا دلالة الأقيسة الصحيحة، بل كلها تتصادق متعاضدة متناصرة، يصدق بعضها بعضًا، ويشهد بعضها لبعض، فلا يناقض القياس الصحيح . )انتهى كلام القرضاوى
العدل فى المنهج الإسلامى ومساراته:
والعدل الاسلامي مبدأ مقرر في كل شيء ليس فقط في الأخوة ـ حسبما بيّنا من قريب ـ حتى لا يوهنها الظلم، بل وفي القول وفي العمل وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفي النساء وفي الأقارب والأولاد والضعفاء حتى في الجوارح فضلاً عن العدل في الاقتصاد وفي الشهادة وفي الحكم الذي هو فرع من فروع المسؤولية، وهذه ينبغي أن تقوم على أساس العدل المطلق. وهذا يتحقق بمعرفة كل مسؤول ما له وما عليه. وأمثلة ذلك:
1 ـ في القول: (وإذا قلتم فاعدلوا).
2 ـ في العمل: يقول (ص) مخاطباً أهله: ((التمسوا لكم عملاً ينجيكم من الله، فوالله لا أغني عنكم من الله شيئاً)).
3 ـ في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: (كنتم خير أمة أُخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر). وتبعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا تُلقى على عاتق الفرد وحده، بل تُلقى على عاتق الجماعة كلها. فإذا أهملت ذلك تعرضت للكوارث والويلات. يقول الله تعالى: (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة). كما يقول سبحانه: (لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون. كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون).
4 ـ في النساء: فالاسلام لا يعترف بالتفرقة الجائرة بين الرجل والمرأة في معنى الانسانية المشترك وفي حق كل منهما، بأن يتمتع بمقتضيات حياته النوعية وخصائصه الطبيعية في إطار الحق والعدل. يقول الله تعالى: (ومَن يعمل الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيراً).
5 ـ في الأقارب وذوي الأرحام: يقول الله تعالى: (واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام). بمعنى: صلوها واعدلوا فيها ولا تغمطوها أو تنسوا حقوقها عليكم فتظلموها.
6 ـ في الاقتصاد: إن كل عدل لا يقوم على اقتصاد منظم.. فهو عدل ناقص بل عدل ظالم ـ إن صحّ التعبير ـ فلن نكون عمليين حين نقول للجائع أو العاري أو المفلس أو العاطل عن العمل، لا ترتكب الجريمة قبل أن نحقق له مجتمعاً صالحاً لا يجوع فيه ولا يعرى ولا يتعطل عن العمل.
هذا وقد تشدد الاسلام في نظرته إلى العدالة من زاويتها الاقتصادية فحرّم ما نسميه نحن اليوم بلغتنا السياسية (الاستفادة غير المشروعة) عن طريق استخدام النفوذ والسلطان. ومن الأمثلة على ذلك سلوك عمر بن الخطاب مع ولده عبدالله حين رأى في طريقه إبلاً سمينة وسأل عمر عنها فقيل له إنها إبل عبدالله بن عمر، فغضب ابن الخطاب وقال: ((ما سمنت إبل عبدالله إلا لأنه أرعاها بجاه أمير المؤمنين، ادفعوا بها إلى بيت المال)) وأمر بمصادرتها.
ومن أمثلة العدل الاقتصادي في الاسلام: ضريبة العشور التي عرفتها معظم الشعوب القديمة كالفراعنة والفرس واليونان والرومان، وهي تشبه ضريبة الجمركية في أيامنا. فكانت تلك الشعوب قبل الاسلام ـ وبخاصة الرومان ـ يجبونها على حدود المناطق المتعددة من الدول الواحدة وكانوا يتقاضونها في العام الواحد مرات عديدة بعدد مرورهم على العاشر (أو الجمركي إذا جاز التعبير)، كما كانوا يتقاضونها على جميع سلع التجارة مهما بلغ ثمنها قليلاً أو كثيراً إلى ما هنالك من صعوبات ترهق كاهل المستورد أو التاجر المتجول على حين إذا ا قارنا نظام الضريبة هذه بنظامها في الاسلام نجد أن الاسلام امتاز فيها عن جميع الشعوب التي سبقته بأنه جمع العدل والرحمة والسماحة والحكمة في فرض تلك الضريبة وفي تقديرها وفي تقاضيها.
أ ـ لم يفرض الاسلام ضريبة العشور ما لم تبلغ قيمة البضاعة نصاب الزكاة الذي هو عشرون مثقالاً من الذهب أو مئتا درهم من الفضة.
ب ـ لا تستوفى في الاسلام ضريبة العشور إلا مرة واحدة في العام مهما تعددت رحلات التاجر عبر دياره.
ج ـ لا تدفع في أرجاء الدولة الاسلامية إلا مرة واحدة مهما تعدد العشار أو (الجمارك).
د ـ لا يتعرض التاجر حال مروره على العاشر للإساءة إليه بتفتيشه، بل يكتفي العاشر بإقراره، لأن عمر بن الخطاب أمر بعدم تفتيش التجار.
هـ ـ لم تكن الأعشار في بداية فرضها تؤخذ من المسلم إذا أدّى زكاته ومن الذميّ إذا أدّى جزيته، إنما كانت تضرب على المحاربين إذا استأذنوا كي يتجروا في أرض المسلمين طبقاً لقاعدة المعاملة بالمثل، لأن ضريبة العشور هذه لم يعرفها الاسلام إلى على عهد عمر بن الخطاب حين كتب إليه أبو موسى الأشعري يستشيره في تجار من المسلمين يدخلون ديار الحرب فيأخذ منهم حكامهم العشور، فكتب إليه عمر بأن يأخذ من المحاربين على تجارتهم إذا دخلوا ديار الاسلام القدر الذي يأخذه هؤلاء من المسلمين وهذا مبدأ المعاملة بالمثل المطبق اليوم عند كافة الدول الراقية.
7 ـ العدل في القصاص والحدود: وكذلك تناولت عدالة الاسلام الحدود، إذ جعلتها متفاوتة لكي يتناسب الحدّ مع الجرم. فجعل الاسلام عقوبة الزنى الرجم للمحصن والجَلد فقط لغير المحصن، تبعاً للفرق بين المتزوج والعازب، فقال (ص): ((البكر بالبكر جلد مئة ونفي سنة والثيب بالثيب جلد مئة والرجم)).
8 ـ العدل في الشهادة: والشهادة في الاسلام حق واجب الأداء.. فكل مسلم أو مسلمة مطالب بأداء الشهادة وعدم كتمها، لقول الله تعالى: (ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله وما الله بغافل عما تعملون).
9 ـ العدل في الحكم: فقد أمر الله رسوله أن يحكم بالعدل، في قوله سبحانه: (وإذا حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين). كما أمر الله تعالى مَن يأتي من بعد رسول الله من الحكام المسلمين أن يحكموا بالعدل بقوله سبحانه: (وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل).
والحكم بالعدل يعني الحكم بما أنزل الله، والحكم بما أنزل الله يعني الحكم بما ورد في كتاب الله وما صح صدوره عن رسول الله من قول أو فعل أو تقرير. هذه الأمور الثلاثة التي تسمى سنّة، والقرآن والسنّة هما المصدران الأساسيان للتشريع في الاسلام. وتفرع عن هذين المصدرين مصدران آخران للتشريع في مذاهب أهل السنة، هما: الإجماع والقياس. فالإجماع هو ما أجمعت عليه الأمة من الأحكام للحديث النبوي الشريف: ((ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن))، ولحديث آخر: ((لا تجتمع أمتي على ضلالة)). والقياس هو (إلحاق أمر بأمر لعلة مشتركة بينهما). وقد أقرّ رسول الله القياس وامتدحه إذا صدر من أهله حين لا يجد للحادثة حكماً منصوصاً عليه في كتاب الله أو في سنة نبيه، وذلك في قوله لمعاذ بن جبل لما بعثه إلى اليمن: ((كيف تصنع إن عرض لك قضاء))؟ قال: أقضي بما في كتاب الله تعالى، قال: ((فإن لم يكن في كتاب الله))؟ قال: فبسنّة رسول الله (ص)، قال: ((فإن لم يكن في سنة رسول الله))؟ قال: ((اجتهد رأيي ولا آلو)) (لا أقصر عن جهد). فضرب رسول الله (ص) بيده صدر معاذ ثم قال: ((الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله))..
هذا، ولما كان رسول الله (ص) القاضي الأول في الاسلام ـ كما ذكرنا ـ فقد شرّع في القضاء مبادئ وأصولاً ومناهج لإقامة العدل ما زالت حتى يومنا الحاضر تعتبر دستوراً لجميع قضاة الأرض، وستظل عَلَماً ونوراً يهتدون به ويسيرون في ضوئه في كل مكان وعلى كل الأزمان.
من هذه المبادئ والأصول:
أ ـ أنه، عليه الصلاة والسلام، أوجب على كل قاض أن لا يقضي في الحادثة حتى يسمع كلام الخصوم سماع فهم وتدبر، لقوله (ص) للإمام علي، كرم الله وجهه: ((إذا تقاضى إليك رجلاً فلا تقضي للأول حتى تسمع كلام الآخر فإنه أحرى أن يتبين لك القضاء)).
ب أوجب رسول الله على القاضي حين يقضي أن يكون حاضر الذهن هادئ البال، غير منفعل ولا غضبان، حتى يأمن الخطأ في قضائه، فقال (ص): لا يقضين حاكم بين إثنين وهو غضبان)).
ج ـ شرع رسول الله مبدأ البينة على إقامة الحق والعدل، فقال: ((البيّنة على المدعي واليمين على مَن أنكر)).
جزاء العدل
رب متسائل يتساءل: هل الحكم بالعدل وترك الظلم والجور يشمل جميع الناس من المؤمنين بالله وغير المؤمنين؟ وأن غير المؤمنين إذا حكموا بالعدل في الدنيا، فهل ينالون ثواب عدلهم في الآخرة، فلدفع هذا التساؤل نقول: ((إن الجزاء جزاءان، جزاء دنيوي، وجزاء أخروي)).
فبالنسبة للأول إن قوانين الحياة وسُنن الطبيعة لا تفرق بين مؤمن وكافر، مصداقاً لقوله سبحانه: (إن الله لا يظلم الناس شيئاً)، ولفظ (الناس): يعمّ المؤمن والكافر، بحيث ينال كل منهما ثواب عدله واستقامته في هذه الحياة الدنيا، لأن الدنيا يعطيها الله للمؤمن والكافر، لمن يحب ولمن لا يحب..فمن أقام العدل صلح حاله وصلحت رعيته واستقام أمر دنياه وإن كان كافرا ؟؟؟؟؟؟
ومن كلام ابن تيمية:
إن الله يقيم الدولة العادلة وان كانت كافرة ولايقيم الدولة الظالمة وان كانت مسلمة لأن العدل اساس الملك
أما الآخرة فإنه لا يعطيها إلا مَن يحب
في الآخرة فهو مختص بالمؤمنين فقط، لأن من مستلزمات الثواب يوم القيامة أن يكون الانسان مؤمناً يجمع أركان الإيمان وفي طليعتها الإيمان بالله تعالى وأنه واحد لا شريك له. والذي لا يؤمن هذا الإيمان ولكنه يعدل في الدنيا ويسير على سنن الصلاح والإصلاح فإنه يعمل ما يعمل قاصداً الدنيا وحدها لعدم إيمانه بالآخرة. وهذا منتهى العدل الرباني، حيث يقول سبحانه: (مَن كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومَن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب)، وحيث يقول الحديث الشريف: ((إن الله لا يظلم مؤمناً حسنة يثاب عليها الرزق في الدنيا ويجازي بها في الآخرة. وأما الكافر فيطعم بحسناته في الدنيا حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم يكن له حسنة يعطى بها خيراً)).
فمن عدل الله تعالى أن يعطي كل إنسان ما يطلب لا أكثر، وإنما كثيراً ما يوفق الله فاعل الخير والبر والعدل من غير المؤمنين إلى الإيمان لما ورد: ((إن أعمال الخير تختم لصاحبها بخاتمة الخير)).
وهذا يستفاد من قول الله تعالى: (قل مَن كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مداً)، وبالمقابل قوله: (والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم).
إن الناس أمام عدل الله سواء، مصداقاً لما قاله الله: (فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره، ومَن يعمل مثقال ذرة شراً يره)، ووفاقاً لما أعلنه رسول الله: ((لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يداها)).
أمثلة للعدل:
للعدل أمثلة كثيرة ، منها:
العدل بين المتخاصمين: كان صلى الله عليه وسلم مثالا في تطبيق العدل، وقد جاء إليه رجلان من الأنصار يختصمان إليه، ويطلبان منه أن يحكم بينهما، فأخبرهما النبي صلى الله عليه وسلم بأن مَنْ يأخذ حق أخيه، فإنما يأخذ قطعة من النار، فبكي الرجلان وتنازل كل واحد منهما عن حقه لأخيه.
العدل في الميزان والمكيال: المسلم يوفي الميزان والكيل، ويزن بالعدل، ولا ينقص الناس حقوقهم، ولا يكون من الذين يأخذون أكثر من حقهم إذا اشتروا، وينقصون الميزان والمكيال إذا باعـوا، وقـد توَّعـد الله من يفعـل ذلك، فقـال الله تعالى: {ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون . وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون . ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون . ليوم عظيم} [المطففين: 1-5]. وقال تعالى: {وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان} [الرحمن: 9].
العدل بين الزوجات: والمسلم يعدل مع زوجته فيعطيها حقوقها، وإذا كان له أكثر من زوجة فإنه يعدل بينهن في المأكل والمشرب والملبس والمسكن والمبيت والنفقة، قال الله صلى الله عليه وسلم: (من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشِقُّه مائل) [أبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه].
والميل الذي حذر منه هذا الحديث هو الجور على حقوقها، ولهذا روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقسم بين زوجاته -رضوان الله عليهن- بالعدل، ويقول: (اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك).
[أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه].
العدل بين الأبناء: فالمسلم يسوِّي بين أولاده حتى في القُبْلَة، فلا يُفَضِّل بعضهم بهدية أو عطاء؛ حتى لا يكره بعضهم بعضًا، وحتى لا تُوقَد بينهم نار العداوة والبغضاء.
يقول النعمان بن بشير: أعطاني أبي عطيةً، فقالت عمرة بنت رواحة (أم النعمان): لا أرضى حتى تُشْهِدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إني أعطيتُ ابني من عمرة بنت رواحة عطية، فأمرتني أن أشهدك يا رسول الله. فقال الله صلى الله عليه وسلم: (أعطيتَ سائر ولدك مثل هذا؟ قال: لا. قال الله صلى الله عليه وسلم: (فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) [البخاري].
العدل مع الرعية:
العدل مع كل الناس حتى مع الأعداء: المسلم مطالب بأن يعدل مع جميع الناس سواء أكانوا مسلمين أو غير مسلمين، فالله يأمر بعدم إنقاص الناس حقوقهم، قال تعالى: {ولا تبخسوا الناس أشيائهم} [الشعراء: 138].
وقال تعالى: {ولا يجرمنكم شنأن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى} [المائدة: 8] أي: لا تحملكم عداوتكم وخصومتكم لقوم على ظلمهم، بل يجب العدل مع الجميع
حتى مع الأعداء، فلا تكون عداوتهم وبغضهم سببًا في ظلمهم؛ لأن المسلمين هم حملة المنهج الرباني الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ليقيم العدل: يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون {المائدة: 8}.
ولما رأى المسلمون ما حدث بقتلاهم يوم أحد من تمثيل قالوا لو أصبنا منهم يومًا من الدهر لنزيدين عليهم، فأنزل الله: وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين {النحل: 126}.
رواه عبد الله بن أحمد، والطبراني، وقال ابن حجر في الفتح: وقد ذكر روايات ضعيفة في هذا الباب، وهذه طرق يقوي بعضها بعضًا (ج7 ص430).
ذات يوم، اختلف الإمام على -رضي الله عنه- مع يهودي في درع (يُلبس كالرداء على الصدر في الحروب)، فذهبا إلى القاضي، وقال الإمام علي: إن هذا اليهودي أخذ درْعِي، وأنكر اليهودي ذلك، فقال القاضي للإمام علي: هل معك من شهود؟ فقال الإمام علي: نعم، وأحضر ولده الحسين، فشهد الحسين بأن هذا الدرع هو درع أبيه. لكن القاضي قال للإمام علي: هل معك شاهد آخر؟
فقال الإمام علي: لا.
فحكم القاضي بأن الدرع لليهودي؛ لأن الإمام عليا لم يكن معه من الشهود غير ولده. فقال اليهودي: أمير المؤمنين جاء معي إلى قاضي المسلمين فقضى على أمير المؤمنين ورضى. صدقتَ والله يا أمير المؤمنين.. إنها لدرعك سقطتْ عن جمل لك التقطتُها؛ أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله. فأعطاه الإمام على الدرع فرحًا بإسلامه.



ثمرات العدل:
العدل له منزلة عظيمة عند الله، قال تعالى: {وأقسطوا إن الله يحب المقسطين} [الحجرات: 9]. وكان الصحابي الجليل أبو هريرة -رضي الله عنه- يقول: عمل الإمام العادل في رعيته يومًا أفضل من عبادة العابد في أهله مائة سنة ومن ثمراته:
*العدل أمان للإنسان في الدنيا و الآخرة،:
حُكي أن أحد رسل الملوك جاء لمقابلةعمر بن الخطاب، فوجده نائمًا تحت وقد شجرة، فتعجب؛ إذ كيف ينام حاكم المسلمين دون حَرَسٍ، وقال: حكمتَ فعدلتَ فأمنتَ فنمتَ يا عمر.وفى الآخرة من السبعة الذين يظلهم الله غمام عادل
* العدل أساس الملك والحصن ضد العدو،
فقد كتب أحد الولاة إلى الخليفة عمر بن عبد العزيز-رضي الله عنه- يطلب منه مالاً كثيرًا ليبني سورًا حول عاصمة الولاية. فقال له عمر: ماذا تنفع الأسوار؟ حصنها بالعدل، ونَقِّ طرقها من الظلم.
* العدل يوفر الأمان للضعيف والفقير، ويُشْعره بالعزة والفخر:
جاء رجل من أهل مصر إلى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وقال له: يا أمير المؤمنين، لقد تسابقتُ مع ابن عمرو بن العاص والى مصر، فسبقتُه فضربني بسوطه، وقال لي: أنا ابن الأكرمين. فكتب عمر بن الخطاب إلىعمرو بن العاص: إذا أتاك كتابي هذا فلتحضر إلى ومعك ابنك، فلما حضرا أعطى عمر بن الخطاب السوط للرجل المصري ليضرب ابن عمرو قائلا له: اضرب ابن الأكرمين.***في عهد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أسلم رجل من سادة العرب، وذهب للحج، وبينما كان يطوف حول الكعبة، داس رجل على طرف ردائه، فضربه على وجهه ضربة شديدة، فذهب الرجل إلى عمر بن الخطاب، واشتكى له، فطلب عمر -رضي الله عنه- إحضار الضارب، فلما حضر أمر عمر الرجل أن يقتص منه بأن يضربه على وجهه مثلما فعل معه، فقال متعجبًا: وهل أستوي أنا وهو في ذلك؟ فقال عمر: نعم، الإسلام سوَّى بينكما.
* العدل يشيع الحب بين الناس، وبين الحاكم والمحكوم:
. وكتب الجراح بن عبد الله إلى عمر بن عبدالعزيز: إن أهل خراسان قومٌ ساءت رعيتهم، وإنه لا يصلحهم إلا السيف والسوط، فإن رأى أمير المؤمنين أن يأذن في ذلك.فكتب إليه عمر: أما بعد، فقد بلغني كتابك تذكر أن أهل خراسان قد ساءت رعيتهم وأنه لا يصلحهم إلا السيف والسوط، فقد كذبت، بل يصلحهم العدل والحق، فابسط ذلك فيهم. والسلام. {تاريخ الخلفاء وقد عزاه لابن عساكر.
*العدل يمنع الظالم عن ظلمه، والطماع عن جشعه، ويحمي الحقوق والأملاك والأعراض:
ذكر السيوطي في تاريخ الخلفاء عن يحيى الغساني قال: لما ولاني عمر بن عبد العزيز الموصل، قدمتها فوجدتها من أكثر البلاد سرقةً ونقبًا، فكتبت إليه أعلمه حال البلد وأسأله: آخذ الناس بالظنة، وأضربهم على التهمة، أو آخذهم بالبينة وما جرت عليه السنة ؟ فكتب إليَّ عمر أن آخذ الناس بالبينة وما جرت عليه السنة، فإن لم يصلحهم الحق، فلا أصلحهم الله قال يحيى: ففعلت ذلك، فما خرجت من الموصل حتى كانت من أصلح البلاد وأقلها سرقة ونقبًا.

ليس العدل هو المساواة دائمًا:
العدل إذن هو التوازن بين قوى الفرد وطاقاته الروحية والمادية، وهو التوازن بين الفرد والمجتمع، ثم بين المجتمع وغيره من المجتمعات، ولا سبيل إلى هذا التوازن إلا بتحكيم شريعة الله سبحانه، وما أنزل من كتاب وحكمة. فليس معنى العدل المساواة المطلقة، فإن المساواة بين المختلفين كالتفريق بين المتماثلين، كلاهما ليس من العدل في شيء، فضلاً عن أن المساواة المطلقة أمر مستحيل؛ لأنه ضد طبيعة الإنسان وطبيعة الأشياء.
العدل أن تسوى بين المتماثلين بقدر تماثلهما وتشابه ظروفهما، وأن تفرق بين المتخالفين بقدر تخالفهما وتباين ظروفهما.
يقول الأستاذ عباس العقاد رحمه الله: "المساواة المثلى هي العدل الذي لا ظلم فيه على أحد، ولهذا لم يستطع فقهاء التعريفات أن يجعلوها مساواة في الواجبات؛ لأن المساواة في الواجبات، مع اختلاف القدرة عليها ظلم قبيح".
"ولم يستطيعوا أن يجعلوها مساواة في الحقوق؛ لأن المساواة في الحقوق مع اختلاف الواجبات، ظلم أقبح من ذلك؛ لأنه إجحاف يأباه العقل، وإضرار يحيق بالمصلحة العامة، كما يحيق بمصلحة كل فرد من ذوي الحقوق والواجبات".
"وقوام الأمر إذن أن تكون المساواة العادلة مساواة في الفرص والوسائل، فلا يحرم إنسان فرصته لإحراز القدرة التي تمكنه من النهوض بواجب من الواجبات، ولا يحرم وسيلته التي يتوسل بها إلى بلوغ تلك الفرصة، ما استطاع من وسائل السعي المشروع".

الاثنين، 9 مارس 2009

سيدى يارسول الله


سيدى ...وحبيبى ياخير خلق الله
سيدى وحبيبى يارسول الله .... عليك الصلاة وأزكى السلام

.بعد حمد الله والصلاة والسلام عليك يا رسول الله ....

وبلا مقدمات ، هل تسمح لى بأن أتجرأ وأتطفل على مقامكم الكريم وأرسل إليك هذه الرسالة ...

ولعل ما دفعنى إلى كتابتها هو أننى أعرف انك يا سيدى أفضل خلق الله سماحة وسعة صدر ، فمما لا شك فيه أننى قد لا أستطيع مخاطبة حاكم أو وزير أو حتى رئيس مجلس إدارة شركة مفلسة ... ولكننى والحمد لله أستطيع أن أخلوا إلى نفسى وأكتب إليك ما يعتمل فى مشاعرى وأشكو إليك ما حدث فى أمتك ... أو على الأصح ما حدث من أمتك

، أستطيع .....لو كنت قد عشت فى زمن الرسالة لكان من السهل والميسور أن أدخل يا سيدى إلى مسجدك أو إلى بيتك أو أن أقابلك فى طرقات المدينة و أجلس معك وأتحدث إليك بما فى مكنون مشاعرى دون أن يوقفنى حاجب أو يمنعنى حارس , مازلت أذكر يا رسول الله صلى الله عليك وسلم حديثك الذى خاطبت به أعرابياً قابلك فى طرقات المدينة فإحمر وجهه وإرتعشت يداه من مهابتك فما كان منك يا حبيبى يا رسول الله إلا أن قلت له "هون على نفسك فإننى إبن إمرأة كانت تأكل القديد بمكة" ، لذلك فإننى عندما أتحدث إليك الأن أكاد أشعر بلمسات يدك الحانية وهى تربت على رأسى ، وأكاد أرى إبتسامتك الهادئة وهى تملؤ قلبى بالطمأنينة والأمان.لم تكن أبداً يا رسول الله صلى الله عليك وسلم فظاً أو غليظ القلب ، ولم تكن سباباً أو لعاناً أو فاحشاً أو بذيئاً ، بل نهيتنا عن سوء الخلق وأمرتنا بالحياء ، وقالت عنك أمنا أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها " كان خلقه القرآن " وما كنت تخير بين أمرين إلا وقد إخترت أيسرهما ، وكنت حليماً صبوراً رحيماً بالمؤمنين ... ورحيماً بالعالمين رؤوفاً عادلاً لا تفرق بين فاطمة إبنتك وبين غيرها من المسلمين ....

عفواً يا سيدى يا رسول الله لقد إستطردت فى الحديث دون أقدم نفسى ... فأنا من أمتك ... أقصد أننى من المفروض أن أكون من أمتك ، ولكننى أنظر إلى حالى فأجدنى وقد إبتعدت عن طريقك وأنظر إلى الأمة فأجدها وقد حادت عن الحق ، لذلك فإننى أستطيع تعريف نفسى بأننى أنتمى إلى هذه الأمة التى من المفروض أن تكون أمتك ، وأننا نعيش الأن بعد مرور أربعة عشر قرناً من هجرتك ، كما أستطيع أيضاً أن أقول – ويا أسفى على ما سأقول – أن معظمنا فى زمننا ينتمى إلى الإسلام بشهادة الميلاد ..معظمنا يا حبيبى يا رسول الله يقيمون الشعائر التعبدية ،ولايفهمون مقاصدها ولايشعرون بحقيقتها لاتغير سلوكا ولاتربى نفسا إلا أنهم يقيمونها لأنها أصبحت عادة لا بحسبها عبادة !!!ويقرأون القرآن و لا يغادر القرأن تراقيهم ، ولا يصل إلى قلوبهم ، و منهم من يتمسك بالشكليات التى لا تقدم ولا تؤخر ، ثم فى حياته وسلوكه تجده أشد الخصام , إن نظرت إليه وجدته أكثر الناس قسوة وفظاظة وتفريطاً فى حق الله ، يأمر الناس بالبر وينسى نفسه !! يقول ما لا يفعل !!! ويفعل ما يغضبك يا حبيبى يا رسول الله صلى الله عليك وسلم فالعبادة فى زمننا أصبحت عادة ، فنحن نصوم رمضان ... عادة ، ونصلى الصلوات الخمس ... عادة ، ونذهب للحج والعمرة ... عادة ، وهكذا.ولكن يبدو أن مرور أربعة عشر قرناً على بعثتك جعلتنا ننسى مقاصد الشريعة الإسلامية ، بل يبدو أننا نسينا الإسلام نفسه !!! عذراً يا حبيبى يا رسول الله عذراً يا من صلى الله عليه وسلم ، فإننا الأن فى هذا الزمن وإن كنا كثرة إلا أننا كغثاء السيل ... هكذا حدثتنا أنت يا سيدى وهكذا أخبرتنا ... أنه سيأتى زمن نكون فيه كغثاء السيل حيث تتكاثر علينا الأمم ... أما شعوب العالم فقد تجرأت علينا كما لم يتجرأ علينا أحد من قبل ، حتى أن الدول الصغيرة التى لا قيمة لها جعلتنا أضحوكة وأخذت تستهزئ بنا ووصل الأمر بهم إلى أن شتموك يا حبيبى يا رسول الله ، شتموك بسببنا وبسبب ضعفنا ولقلة حيلتنا ... شتموك – قطع الله ألسنتهم – أكاد أجزم بأننا السبب فى كل ما حدث ، فقد هُنا على أنفسنا فَهُنّا على العالمين ، أنا فى شدة الأسف كنت أريد أن أكتب إليك ونحن فى حال أفضل كنت أريد أن أخبرك أننا أصبحنا سادة الأمم وخير البلاد وأفضل الخلق ، ولكننى للأسف أكتب إليك خطابى هذا ونحن فى ذيل الأمم لا نهتم وقت الإحتفال بمولدك الكريم إلا بشراء الحلوى ، أما إتباع سنتك وإقامة شريعتك وإعلاء دين الله الذى اديت أمانته وبلغت رسالته.... فقد باعدت الذنوب بيننا وبين تحقيقه ... عذراً يا سيدى يا رسول الله صلى الله عليك وسلم أكتب إليك خطابى هذا وأنا عاجز عن نصرتك ,ولاأملك إلا حبا لك وشوقا إلى لقائك على الحوض وظمأ إلى شربة من يدك الشريفة وأملا فى جوارك

فهل نحن أهل لشفاعتك ؟

لاأجد ما اعبر به عن حبي لك سيدي سوي ابيات كتبها الامام البوصيري ..................................................................................................

هو الحبيب الذي ترجو شفاعته لكل هول من الاهوال مقتحم

دعا الي الله فالمستمسكون به مستمسكون بحبل غير منفصم

محمد سيد الكونين والثقلين و الفريقين من عرب ومن عجم

فهو الذي تم معناه وصورته ثم اصطفاه حبيبا بارئ النسم

منزه عن شريك في محاسنه فجوهر الحسن فيه غير منقسم

دع ما ادعته النصاري في نبيهم واحكم بما شئت فيه واحتكم

وانسب الي ذاته ما شئت من شرف وانسب الي ذاته ما شئت من عظم

فان فضل رسول الله ليس له حد فيعرب عنه ناطق بفم

وكيف يدرك ما في الدنيا حقيقته قوم نيام تسلوا عنه بالحلم

وكل اي اتي الرسل الكرام بها فانما اتصلت من نوره بهم

فانه شمس فضل هم كواكبها يظهرن انوارها للناس في الظلم

كازهر في ترف والبدر في شرف والبحر في كرم والدهر في همم

لا طيب يعدل تربا ضم اعظمه طوبي لمستنشق منه وملتثم

جاءت لدعوته الاشجار ساجده تمشي اليه علي ساق بلا قدم

كانما سطرت سطرا لما كتب فروعها من بديع الخط والقلم

مثل الغمامه اني سار سائرة تقيه حر وطيس للهجير حمي

لا تنكر الوحي من روياه ان له قلبا اذا نامت العينيان لم ينم

دعني ووصفي ايات له ظهرت ظهور نار القري ليلا علي علم

فالدر يزداد حسنا وهو منتظم وليس ينقص قدار غير منتظم

لم تقترن بزمان وهي تخبرنا عن المعاد وعن عاد وعن ارم

دامت لدينا ففاقت كل معجزة من النبين اذا جاءت ولم تدم

سريت من حرم ليلا الي حرم كما سري البدر في داج من الظلم

وبت ترقي الي ان نلت منزله من قاب قوسين لم تدرك ولم ترم

وقدمتك جميع الانبياء بها والرسل تقديم مخدوم علي خدم

وانت تخترق السبع الطباق بهم في موكب كنت في صاحب العلم

بشري لنا معشر الاسلام ان لنا من العنياه رمنا غير منهدم

لما دعا الله داعينا لطاعته باكرم الرسل كنا اكرم الامم

يا رب بالمصطفي بلغ مقاصدنا واغفر لنا ما مضي يا واسع الكرم

واغفر الهي لكل المسلمين بما يتلوه في المسجد الاقصي وفي الحرم

فمبلغ العلم فيه انه بشر ............................................(وهنا لم يستطيع الامام محمد البوصيري تكمله شطر البيت الاخر حتي جاءه حبيبنا الغالي محمد وقال له :-
(((((( وانه خير خلق الله كلهم )))))

الاثنين، 2 مارس 2009

هل تعلم


هل تعلم أن موازنات البحث العلمي في العالم العربي لا تتجاوز 02% من الدخل القومي مقابل 22% في اليابان أي أكثر بـ110 أضعاف. أما عدد الباحثيين العرب فلا يتجاوز ألفاً من أصل 282 مليون نسمة يقطنون الوطن العربي. وينفق المواطن العربي نحو ثلاثة دولارات فقط على البحث العلمي، مقابل 409 دولارات في ألمانيا، و601 دولار في اليابان، و681 دولار في أمريكاو
هل تعلم أن أقدم جامعة في العالم هي جامعة القرويين التي تأسست في فاس بالمغرب قبل 1146عاماً وما زالت تعمل حتى اليوم!! .. هذه المعلومة تذكرتها بأسى بعد ان قرأت تقريراً عن أفضل 500جامعة في العالم لم يكن ضمنها جامعة عربية واحدة. وفي المقابل توجد سبع جامعات إسرائيلية في بلد لا يتجاوز عدد سكانه الستة ملايين (مقارنة بسكان العالم العربي الذي تجاوز الثلاثمائة مليون نسمة)!!
هل تعلم أنه يوجد في الدول العربية أعلى معدلات البطالة في العالم، كما إن 60% تقريبًا من سكانها هم دون سن الخامسة والعشرين.
هل تعلم ان العالم العربي يستورد 50 % من سلعه وبضائعه من امريكا واوروبا0
هل تعلم ان شعار ماكدونالدز مثلا يعمل تحت شعاره 30 الف مطعم في 121 بلداً حـول العالم تخدم 46 مليون زبون يوميا .
هل تعلم ان 90% من اجهزة الكمبيوتر الموجودة العربى برامجها التشغيلية والتطبيقية من شركة امريكية 0
هل تعلم ان معظم الفنادق الكبرى تدار بواسطة شركات امريكية 0
هل تعلم ان ان اجمالي اقتصاد الدول العربية لا يزيد عن 2% من حجم اقتصاد العالم 0
هل تعلم ان دخل الدول العربية مجتمعة اقل من دخل دولة مثل اسبانيا .
هل تعلم انه فبل 20 عاماً كانت مساهمة دول الشرق الاوسط في صادرات العالم 13% اما الآن فلا تتجاوز 3% 0
هل تعلم ان متوسط دخل الفرد في بعض الدول العربية لا يتجاوز 200 دولار سنوياً بينما يصل في بعض الدول الغربية الى 40 الف دولار

هل تعلم ان اجمالي الصادرات العربية بما فيها البترول اقل من صادرات دولة مثل فنلندا والتي لا يتجاوز عدد سكانها ستة ملايين نسمة وتعتمد على صناعة جوالات نوكيا
هل تعلم أن مصر الآن من أكبر مستوردى القمح والفول فى العالم؟؟؟
هل تعلم ان معدل نمو الناتج المحلي العربي اقل من معدل التضخم وان الاقتصاد العربي ضعيف ومعدل البطالة مرتفع والدين الداخلي والخارجي متزايد وان التصدير محدود او منهار وان معدل نمو السكان مرتفع وان الحاجة للمياه في تزايد بسبب الندرة .
.وأخيرا هل قرأت تقرير الامم المتحدة للتنمية البشرية لعام 2007 أفاد تقرير الأمم المتحدة عن التنمية البشرية لعام 2007 أن 14 مليون مصري يعيشون تحت خط الفقر، بينهم أربعة ملايين لا يجدون قوت يومهم، لتبقي مصر في المركز 111 بين دول العالم الأكثر فقرًا. وذكر التقرير أن أغلب الفقراء في مصر يعيشون في محافظات الوجه القبلي، حيث تبلغ نسبة الفقراء فيها حوالي 35.2% من إجمالي عدد السكان، بينما تنخفض نسبة الفقراء بالوجه البحري لتصل إلي 13.1%.
وذكر التقرير أن نسبة السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر عند مستوي إنفاق دولار واحد في اليوم تبلغ 3.1%، بينما تبلغ نسبة مستوي إنفاق دولارين في اليوم 43.9%.
وصنف التقرير أسيوط بوصفها أفقر محافظات مصر، حيث يبلغ عدد الفقراء بها 58.1% من عدد السكان، منهم 24.8% لا يجدون قوت يومهم، فيما تحتل محافظة بني سويف المركز الثاني، حيث يبلغ عدد الفقراء بها 53.2%، منهم 20.2% لا يجدون قوت يومهم.
وتأتي محافظة سوهاج في المركز الثالث بنسبة 45.5%، منهم 17.2% لا يجدون قوت يومهم. في المقابل، ذكر تقرير الأمم المتحدة أن 13.1% من سكان محافظات الوجه البحري يعانون من الفقر، فيما تعد محافظة المنوفية من أكثر محافظات الوجه البحري فقرًا، بنسبة 21.7%، بينهم 3.7% لا يجدون قوت يومهم.
وذكر التقرير أن اللحوم والأسماك لا تدخل ضمن قائمة الفقراء التي يتناولها حوالي 51.2% إلا حسب الظروف، بينما لا يشتري 33% منهم الفواكه، لعدم قدرتهم، بينما يكتفي 58.8% منهم بوجبتين فقط في اليوم، فيما يعتمد 61% من الفقراء في طعامهم علي البقوليات (الفول والعدس).
وأشار في المقابل إلي تضخم ثروات الطبقة الغنية في مصر التي يمثل أعضاؤها 20% فقط من المصريين، والذين يمتلكون 80% من الثروات، بينما يمتلك الـ 80% الباقين من مجموع الشعب المصري 20% فقط من الثروات. وذكر التقرير أن هناك 1% فقط من أعضاء الطبقة الغنية يمتلكون 50% من حجم ثروات هذه الطبقة، بينما يشترك الـ 99% الباقون في ملكية الـ 50% الباقية