الجمعة، 15 مايو 2009

الإخلاص ج1

الإخلاص
الإخلاص في اللغة : تقول : ذهبٌ خالصٌ ، أي خالٍ من الشوائبِ ، ويقالُ : أخلص النصيحة ، أي أوفى فيها ، و يعني صِدق توجهُ القلب و خلُوهِ من أيّة شائبةٍ .
الإخلاص في الإصطلاح : يعني صدق العبد في توجههِ إلى الله الله اعتقاداً و عملاً ، قال الله : (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِين لَهُ الدّين) سورة البينة الآية (5).
وقال تعالى "قل ان صلاتى ونسكى ومحياى ومماتى لله رب العالمين
لذا فإن الإخلاص في القول و العمل ، أساس القبول عند الله .
أولاّ :ـ تعريف الاِخلاص
. ـ ذكر ابن القيم عده تعاريف له منها :ـ
ـ(تصفيه الفعل عن ملاحظة المخلوقين )
ـ(ألا تطلب لعملك شاهداّ غير الله، ولامجازياّ سواه )
ـ(نسيان رؤية الخلق بدوام النظر إلى الخالق)
ـ(التوقي من ملاحظة الخلق حتى عن نفسك)
انظر مدارج السالكين (2/90)
وذكر النووي عدة تعاريف له منها :ـ
(استواء أعمال العبد في الظاهر والباطن).
ـ(الصادق هو الذي لايبالي ولو خرج كل قدر له في قلوب الخلق من أجل صلاح قلبه ولا يحب اطلاع الناس على مثاقيل الذر من حسن عمله ولايكره اطلاع الناس على السيء من عمله فإن كراهته لذلك دليل على أنه يحب الزيادة عندهم وليس هذا من أخلاق الصديقين.) وانظر المدارج 2/289-3/186
ـ(إذا طلبت الله تعالى بالصدق أعطاك مرآه تبصر فيها كل شيء من عجائب الدنيا والآخرة ).
ـ(أن تكون حركته وسكونه في سرة وعلانيته لله تعالى وحدة لا يمازجه شيء لا نفس ولا هوى ولا دنيا) التبيان ص /40ـ41
يقول الشهيد حسن البنا الإخلاص أن يقصد الأخ بقوله وعمله وجهاده وجهَ الله، وابتغاءَ مرضاته وحُسْنَ مثوبته، من غير نظرٍ إلى مغنم أو مظهر أو جاه أو لقب أو تقدُّم أو تأخُّر، وبذلك يكون جندي فكرة وعقيدة لا جندي غرض ومنفعة ﴿قُلْ إِنَّ صَلاتِيْ وَنُسُكِيْ وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِيْ للهِ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ* لاَ شَرِيْكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ..﴾ (الأنعام
أهمية الإخلاص
خلق الله الخلق لعبادته ، وأمرهم بطاعته ، وجعل سبحانه للأعمال ركنين لا يقبل عملا إلا بهما : أن يكون العمل خالصاً لله ، وصواباً على شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال تعالى : ( فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً ).
قال الفضيل بن عياض ــ رحمه الله ــ في تفسير قوله تعالى : ( الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً وهو العزير الغفور )
هو أخلصه وأصوبه ، قالوا : يا أبا علي ، ما أخلصه وأصوبه ؟ فقال : إن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يًقبل ، وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل حتى يكون خالصاً صواباً .. ثم قرأ قوله تعالى : ( فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً ).
الإخلاص هو مسك القلب ، وماء حياته ، ومدار الفلاح كله عليه .
إن الذي يعمل بغير إخلاص ولا اقتداء كمسافر يملأ جرابه رملاً ينقله ولا ينفعه ــ كما قال ابن القيم ــ رحمه الله .
ولهذا سيأتي أقوام يوم القيامة بأعمال كالجبال لكنها لا تنفعهم لأنها فقدت أهم شروط قبولها .. الإخلاص : (وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثوراً )
قال الغزالي ــ رحمه الله ــ : ( ... فلذلك قيل : من سلم له من عمره لحظة خالصة لوجه الله نجا ، وذلك لعزة الإخلاص وعُسْر
تنقية القلب عن هذه الشوائب ، بل الخالص هو الذي لا باعث له إلا طلب القرب من الله تعالى )
إن قبول الأعمال موقوف على وجود الإخلاص فيها، أمر الله تعالى نبيه عليه الصلاة والسلام بالإخلاص في عبادته تعليماً لهذه الأمة فقال: {قلْ إنِّي أُمرتُ أنْ أعبُدَ اللهَ مُخلِصاً لهُ الدينَ} [الزمر: 11] وقال: {قل اللهَ أعبُدُ مخلِصاً لهُ ديني} [الزمر: 14]. وقال عز وجل: {فاعبُدِ اللهَ مخْلِصاً له الدينَ ألا لله الدينُ الخالصُ} [الزمر: 2].
وأوضح الحق سبحانه أن السبيل إلى لقاء الله تعالى يوم القيامة لقاء رضى وإنعام هو العمل الصالح الخالص لوجه الله، السليمُ من ملاحظة الخلق فقال: {فمَنْ كان يرجو لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عملاً صالحاً ولا يُشْرِكْ بعِبادَةِ رَبِّهِ أحداً} [الكهف: 110].
خطر الرياء

قال الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر [البقرة:462].
قال ابن كثير ـ رحمه الله ـ عند تفسيره لهذه الآية: لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كما تبطل صدقة من راءى بها الناس فأظهر لهم أنه يريد وجه الله، وإنما قصده مدح الناس له أو شهرته بالصفات الجميلة، ليُشكر بين الناس أو يُقال إنه كريم جواد ونحو ذلك من المقاصد الدنيوية مع قطع نظره عن معاملة الله تعالى وابتغاء مرضاته وجزيل ثوابه، ولهذا قال سبحانه: ولا يؤمن بالله واليوم الآخر.
[ابن كثير جـ2 ص364]
وقال سبحانه: إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا [النساء:241].
قال ابن كثير في هذه الآية: لا إخلاص لهم ولا معاملة مع الله، بل إنما يشهدون الناس تقية لهم ومصانعة، ولهذا يتخلفون كثيرًا عن الصلاة التي لا يُرون فيها غالبًا كصلاة العشاء في وقت العتمة وصلاة الصبح في وقت الغلس. [تفسير ابن كثير جـ4 ص318
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يقول الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه"رواه الإمام مسلم وفي رواية لابن ماجة: "فأنا منه بريء وهو للذي أشرك".
والأنواع هي
3:
1. الرياء المحض
وهو العمل الذي لا يُراد به وجه الله بحال من الأحوال، وإنما يراد به أغراض دنيوية وأحوال شخصية، وهي حال المنافقين الخلص كما حكى الله عنهم:
"وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراؤون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلاً".
"ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطراً ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله".
"فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون الذين هم يراؤون ويمنعون الماعون".
وهذا النوع كما قال ابن رجب الحنبلي يكون في الأعمال المتعدية، كالحج، والصدقة، والجهاد، ونحوها، ويندر أن يصدر من مؤمن: (فإن الإخلاص فيها عزيز، وهذا العمل لا يشك مسلم أنه حابط، وأن صاحبه يستحق المقت من الله والعقوبة).
قال صلى الله عليه وسلم :أول الناس يقضي فيه يوم القيامة ثلاثة رجل استشهد فأتى الله به فعرفه نعمه فعرفها فقال له فما عملت فيها قال قاتلت في سبيلك حتى استشهدت فقال كذبت ولكن قاتلت ليقال هو جرىء فقد قيل ذاك ثم أمر فيسحب على وجهه إلى النار وأتى الله برجل قد تعلم العلم وعلمه وقد قرأ القرآن فعرفه نعمه فعرفها فقال له ما عملت فيها فقال تعلمت القرآن وعلمته فيك وقرأت القرآن فقال كذبت ولكنك تعلمت ليقال فلان عالم وفلان قارىء فقد قيل ذاك ثم أمر فيسحب به على وجهه إلى النار وأتى برجل قد أعطاه الله من أنواع المال كله فعرفه نعمه فيها فعرفها قال فما عملت فيها فقال ما تركت شيئا من سبيل تحب أن ينفق فيها فقال كذبت ولكنك أردت أن يقال هو جواد فقد قيل ذاك ثم أمر به فيسحب به على وجهه إلى النار . [أخرجه الإمام مسلم ]

2. أن يراد بالعمل وجه الله ومراءاة الناس
وهو نوعان:
أ‌. إما أن يخالط العملَ الرياءُ من أصله
فقد بطل العمل وفسد والأدلة على ذلك بجانب حديث أبي هريرة السابق:
{
وسئل صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياء ، أي ذلك في سبيل الله ؟ قال : من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله } متفق عليه
وعند
النسائي { أنه سئل صلى الله عليه وسلم : أرأيت رجلا غزا يلتمس الأجر والذكر ، ما له ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا شيء له . فأعادها ثلاث مرار يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا شيء له ثم قال : إن الله - تعالى - لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا له وابتغى به وجهه
· وخرج الحاكم من حديث ابن عباس: "قال رجل: يا رسول الله: إني أقف الموقف وأريد وجه الله، وأريد أن يُرى موطني، فلم يرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلت: "فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً".
قال ابن رجب: (وممن روي عنه هذا المعنى، وأن العمل إذا خالطه شيء من الرياء كان باطلاً: طائفة من السلف، منهم عبادة بن الصامت، وأبو الدرداء، والحسن، وسعيد بن المسيب، وغيرهم.
ومن مراسيل القاسم بن مُخَيْمِرَة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يقبل الله عملاً فيه مثقال حبة من خردل من رياء".
ب. وإما أن يطرأ عليه الرياء بعد الشروع في العمل
فإن كان خاطراً ماراً فدفعه فلا يضرُّه ذلك، وإن استرسل معه يُخشى عليه من بطلان عمله، ومن أهل العلم من قال يُثاب ويُجازى على أصل نيته.
قال ابن رجب: (وإن استرسل معه، فهل يحبط عمله أم لا يضره ذلك ويجازى على أصل نيته؟ في ذلك اختلاف بين العلماء من السلف حكاه الإمام أحمد وابن جرير الطبري، ورجحا أن عمله لا يبطل بذلك، وأنه يُجازى بنيته الأولى، وهو مروي عن الحسن البصري وغيره.
ويستدل لهذا القول بما خرجه أبو داود في "مراسيله" عن عطاء الخرساني أن رجلاً قال: يا رسول الله، إن بني سَلَمَة كلهم يقاتل، فمنهم من يقاتل للدنيا، ومنهم من يقاتل نجدة، ومنهم من يقاتل ابتغاء وجه الله، فأيهم الشهيد؟ قال: كلهم، إذا كان أصل أمره أن تكون كلمة الله هي العليا".
وذكر ابن جرير أن هذا الاختلاف إنما هو في عمل يرتبط آخره بأوله، كالصلاة، والصيام، والحج، فأما ما لا ارتباط فيه، كالقراءة، والذكر، وإنفاق المال، ونشر العلم، فإنه ينقطع بنية الرياء الطارئة عليه، ويحتاج إلى تجديد نية.
وكذلك روي عن سليمان بن داود الهاشمي أنه قال: ربما أحدث بحديث ولي نية، فإذا أتيت على بعضه تغيرت نيتي، فإذا الحديث الواحد يحتاج إلى نيات.
ولا يرد على هذا الجهاد، كما في مرسل عطاء الخرساني، فإن الجهاد يلزم بحضور الصف، ولا يجوز تركه حينئذ فيصير كالحج).
3. أن يريد بالعمل وجه الله والأجر والغنيمة
كمن يريد الحج وبعض المنافع، والجهاد والغنيمة، ونحو ذلك، فهذا عمله لا يحبط، ولكن أجره وثوابه ينقص عمن نوى الحج والجهاد ولم يشرك معهما غيرهما.
خرج مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الغزاة إذا غنموا غنيمة تعجلوا ثلثي أجرهم، فإن لم يغنموا شيئاً تمَّ لهم أجرُهم".
وروي عن عبد الله بن عمرو كذلك قال: "إذا أجمع أحدكم على الغزو فعوضه الله رزقاً، فلا بأس بذلك، وأما أن أحدكم إن أعطي درهماً غزا، وإن مُنع درهماً مكث، فلا خير في ذلك".
وقال الأوزاعي: إذا كانت نية الغازي على الغزو، فلا أرى بأساً.
وقال الإمام أحمد: التاجر، والمستأجر، والمكاري أجرهم على قدر ما يخلص من نيتهم في غزاتهم، ولا يكون مثل من جاهد بنفسه وماله لا يخلط به غيره.
وقال أيضاً فيمن أخذ جعلاً على الجهاد إذا لم يخرج لأجل الدراهم فلا بأس أن يأخذ، كأنه خرج لِدِينه، فإن أعطي شيئاً أخذه.
وقال ابن رجب: (فإن خالط نية الجهاد نية غير الرياء، مثل أخذ أجرة للخدمة، أوأخذ شيء من الغنيمة، أوالتجارة، نقص بذلك أجر جهادهم، ولم يبطل بالكلية..
وهكذا يقال فيمن أخذ شيئاً في الحج ليحج به، إما عن نفسه، أوعن غيره، وقد روي عن مجاهد أنه قال في حج الجمَّال، وحج الأجير، وحج التاجر، هو تمام لا ينقص من أجورهم شيء، وهو محمول على أن قصدهم الأصلي كان هو الحج دون التكسب.
4. أن يبتغي بعمله وجه الله فإذا أثني عليه سُرَّ وفرح بفضل الله ورحمته فلا يضره ذلك إن شاء الله
فعن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سُئل عن الرجل يعمل العمل لله من الخير، ويحمده الناس عليه، فقال: "تلك عاجل بشرى المؤمن".
وفي رواية لابن ماجة: "الرجلُ يعمل العمل لله فيحبُّه الناس عليه"
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال: يا رسول الله، الرجل يعمل العمل فيُسِِرُّه، فإذا اطلع عليه، أعجب، فقال: "له أجران: أجر السر وأجر العلانية".

يتبع ..........