الأربعاء، 30 ديسمبر 2009

اين نحن ؟

من كلمات الشيخ محمد الغزالي:
"إن الدين إذا لم يكن ارتفاعًا بمستوى الإنسان فما يكون؟

وفي هذه الأيام العجاف أرى جماهير من المسلمين أبعد أهل الأرض عن حقيقة الإحسان!
بيوتهم رديئة، وطرقهم رديئة، وسيرهم رديء، وإذا صنعوا سلعةً خرجت من بين أيديهم دون غيرها مما يصنع الناس، وإذا أداروا عملاً استغرق الكثير من الأوقات والجهود، ولم يبلغوا به درجة الاكتمال التي يحققها من بذل جهدًا أضعف ووقتًا أقل!! كأنهم من طينة غير طينة البشر خلقوا! هؤلاء الناس في انتمائهم الديني ريبٌ كبيرٌ، ولكي يعودوا إلى الإسلام يجب أن يعاد تشكيلهم العقلي والخلقي؛ حتى إذا باشروا عملاً ما أقبلوا عليه بقواهم المادية والأدبية كلها، فخرج سليمًا كريمًا.. لا سيما ونحن في حضارة صناعية تقاس فيها الأبعاد "بالمليمتر" أو بما دونه، ولا تُقبل فيها المجازفات والمساهلات والمصادفات العمياء
ولن تقوم تربية راشدة إلا إذا غرسنا معنى الإحسان فى النفوس
على أنه من محاب الله تبارك وتعالى. إن الله أصلح الأرض بما وضع لها من سنن ٬ وأنزل فيها من وحى ٬

فلماذا يحاول بعض الناس إفسادها بالفوضى والإهمال والتسيب؟
لقد رأينا من يباشر العمل وهو خامل ٬ ويقبل عليه دون مبالاة بنتائجه ٬ ويتركه يمشى في غير مساره ٬ ولا
يشعر بما يصنع من تخريب يهلك الحرث والنسل! فهل خلق الناس لينشروا هذا العبث؟
والله لا يحب الفساد” [البقرة : 205 ] ويقول الله لقارون: “ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين” [القصص : 77 ].

والفساد المكروه له مظاهر شتى ٬ أولها الخروج على سنن الله الكونية والاجتماعية ومعالجة الشئون الخاصة والعامة بالهوس والقصور.. وقد يبدأ ذلك بأمور تافهة ٬ مثل ترك صنبور الماء مفتوحا دون سبب ٬ أو مكسورا دون إصلاح ٬ أو ترك خلل طارئ ليصبح عاهة مستديمة ٬ أو شرر محقور ليتحول إلى حريق مستعرة..
إن الأمور صغيرها مما يهيج له العظيم!
وهناك فساد إداري بالغ الأضرار في العالم الثالث! فالرجل يتولى المنصب العام فيحسبه متعة خاصة أو جاها شخصيا ولا يعلم أنه مسئولية جسيمة وأمانة صعبة. ومن ثم لا يتيقظ لمطالبه ولا يسهر على مراقبته ٬ وقد رأينا في ميدان الإدارة أن الرئيس والمرءوس يحتالان على الهرب ٬ وقد يشتد غيظي عندما يتذرع البعض بإقام الصلاة على ترك الأعمال ساعة أو نصف الساعة قد تصاب فيها الآلات بالعطب أو الإنتاج بالنقص!!
في أقطار أخرى يتنافس العاملون على أداء العمل في أقصر وقت ٬ وبأقل جهد ٬ وعلى خير وجه ٬ أما نحن ففي واد آخر من الغفلة والتسيب. والإدارة فن ٬ يقوم على النشاط ٬ والذكاء ٬ والانتباه ٬ والابتداع ٬ وقد ألهم العرب هذه الخصال فغلبوا بها دولا ذات تاريخ عريق. والذين درسوا خطة خالد بن الوليد فى معركة اليرموك ٬ أو خطة الصحابة فى معركة الأحزاب ٬ يعجبون لتفوق المسلمين الإدارى.

أما اليوم فإن أساليبنا فى إدارة الأعمال ٬ لا تنبع من فكر ثاقب ٬ أو عزيمة منعقدة ٬ فما قيمة إيمان يفقد هذه العناصر؟ الرسالات العظيمة تنجح عندما تجند لها المواهب العظيمة ٬ وهذه المواهب تبدأ بتعود النظام ٬ وتنمية الملكات ٬ واستكشاف
القدرات والخبرات. والتجاوب مع فطرة الله فى الأنفس والآفاق. والكراهية الشديدة للتبلد والكسل والعجز ٬ والكراهية الأشد لإنشاء الفساد ٬ ورؤية الفوضى تدس أصابعها فى كل شئ فتجعل العامر بلقعا ٬ والدين تواكلا وتخلفا وانهزاما أمام إلحاد مقدام. وشهوات جموح..!!