الجمعة، 31 ديسمبر 2010

رضاع الكبير وبراءة أم المؤمنين

مقدمة
إن بعض الأحاديث المخالفة للقرآن ولثوابت الأمة كانت حبيسة الأدراج لا يسمع بها الناس ، ولاتنشر على الملأ و لايفتن بها العوام وكانت فقط من أجل البحث العلمى يتداولها العلماء ولا يحدثون بها
أما في زمننا فلم يبق شيء حبيس الأدراج،
وقد علم أعداؤنا الأحاديث الشاذة والمنكرة قبلنا ونشروها ليصدوا عن سبيل الله ومثال ذلك سلمان رشدى الذى سقط على حادثة الغرانيق وألف عليها كتابه المعروف
. وإذا بحثت عن إرضاع الكبير على النت فستجد كيف استغل أعداؤنا هذه الأحاديث أعظم استغلال، وكيف سخروا منا ومن ديننا بأسلوب يفتن الناس ويصدهم عن الاقتراب من ديننا.
هذه الأحاديث الشاذة لم يعمل بها الفقهاء المعتبرون، فأحاديث إرضاع الكبير لم يأخذ بها أحد من الأئمة الأربعة الذين أجمعوا لتضافر الأدلة على أن الرضاع المحرم ما كان دون الحولين، والخلاف الذي تحسمه أدلة قوية صريحة خلاف غير معتبر. لكننا سمعنا في هذه الأيام من يجيز إرضاع الكبير في بعض الحالات تحت ما أسماه ثمرة الخلاف ... فإنا لله وإنا إليه راجعون.
ومايعنينى فى هذا البحث هو رد التشهير والطعن فى أم المؤمنين عائشة رضوان الله عليها وبيان جهل وتدليس أعداء الإسلام
ولايقل أحد أن هذة النقول عادية ومقبولة وأن أعداء الدين هم من يرون فيها شبهة أو إساءة
وسنضرب لذلك مثلا
ماذا لو فاجأتنا الصحف بخبر كهذا (السيدة/ ... زوجة فضيلة الشيخ العالم الجليل/ ..... تقتدي بأم المؤمنين،وإذا أحبت أن يراها ويدخل عليها رجل أمرت أختها بإرضاعه حتى يدخل عليها)

هل يختلف اثنان أن هذا تشهير وطعن في الشرف ورمي للمحصنات.
إنه ليؤلم كل مسلم ما نسب إلى أم المؤمنين رضي الله عنها
(كَانَتْ عَائِشَة تَأْمُر بَنَات إِخْوَتهَا وَبَنَات أَخَوَاتهَا أَنْ يُرْضِعْنَ مَنْ أَحَبَّتْ عَائِشَة أَنْ يَرَاهَا وَيَدْخُل عَلَيْهَا وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا خَمْس رَضَعَات ثُمَّ يَدْخُلن عَلَيْهَا) انظر إلى الخبث في لفظة "من أحبت عائشة أن يراها ويدخل عليها". إن هذا أمر مشين وطعن في الشرف لايتصور أحدنا صدوره عن أمه أو زوجته، فضلا عن أم المؤمنين، ولا يمكن أن يكون هذا اجتهادا خاطئا، فقد فصل الأزهر رئيس قسم الحديث لقوله بجواز إرضاع الكبيرلضرورةالخلوة في العمل، ولا يمكن للأزهر أن يفصل أستاذا أخطأ في اجتهاده،
لكنهم فصلوه لأن الفتوى تناقض الأخلاق والشرف والعقل وأصول الشرع كما تفتح الفتوى على الأمة باب فتنة وضلالة لا تخفى على عاقل.

حكم التشهير ووجوب تبرئة أم المؤمنين
لقد شدد الإسلام في قبول الخبر الذي فيه طعن في الشرف فاشترط له أربعة شهود رأوا بأم أعينهم، والأحاديث التي فيها اتهام للسيدة عائشة بدخول الرجال عليها ليس فيها راو واحد قال إنه رأى رجلا بعينه يدخل عليها. ثم إن خبرا كهذا لايمكن أن يمر مرور الكرام في أمة سجلت كل أحوال بيت النبوة؟
وهل تملك أم المؤمنين أن تأمر إحدى بنات إخوتها بإرضاع رجل،؟
وهل توافق الأخيرة بدون إذن زوجها،؟
وهل يسمح الزوج لرجل أن يرضع من زوجته كي يدخل على أم المؤمنين لالشيء إلا لأنها تحب أن يراها ويدخل عليها؟
ما هذا الهراء وما هذا السفه؟
ومن هم الرجال الذين أحبت عائشة أن يروها ويدخلوا عليها فأمرت بإرضاعهم فرضعوا وكانوا يدخلون بيت النبوة بلا حرج لأنهم صاروا من آل البيت؟.
أقول بكل يقين:
يستحيل على أم المؤمنين أن تحب دخول الرجال عليها فضلا عن أن تفتي بالباطل وتستحل دخولهم.
لقد أثنى الله على أبي أيوب لأنه لم يصدق اتهام أم المؤمنين فور سماعه وبدون أن يتحقق من الرواة حيث قال لزوجته (أكنت فاعلة ذلك يا أم أيوب. قالت: لا والله ما كنت لأفعله. قال: فعائشة والله خير منك) فأنزل الله تعالى "لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء، فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون" والذين جاءوا بالإفك لم يصرحوا أيضا باتهام أم المؤمنين بالزنا،
لذا أقول لكل عالم يقبل ذلك كما قال أبو أيوب لزوجته: هل يمكن أن تفعل ذلك زوجتك أو أمك؟؟؟
فأم المؤمنين أفقه وأشرف من زوجاتنا وأمهاتنا وهي رضي الله عنها تعلم أن الرضاعة شرعا ما كان دون الحولين ولا يخفى ذلك عليها فحديث إنما الرضاعة من المجاعة فى البخارى مروي عنها،وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يثق في دينها ويغار عليها، وقد صعد المنبر بعد حديث الإفك ليقول (يا معشرالمسلمين من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهلي فوالله ما علمت على أهلي إلا خيرا)

مسالة رضاع الكبير
لم يرد فى صحيح البخارى اى حديث عن رضاع الكبير بل أورد البخاري أصل الحديث في بابين لا علاقة لهما بالرضاعة وليس فيهما أي ذكر لمسألة الرضاعة:
صحيح البخاري كتاب النكاح/ باب الأَكْفَاءِ فِي الدِّين
كتاب المغازي/ باب شهود الملائكة بدرا

3778 حدثنا يحيى بن بكير: حدثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب: أخبرني عروة بن الزبير، عن عائشة رضي الله عنها، زوج النبي صلى الله عليه وسلم: أن أبا حذيفة، وكان ممن شهد بدرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، تبنى سالما، وأنكحه بنت أخيه هند بنت الوليد بن عتبة، وهو مولى لامرأة من الأنصار، كما تبنى رسول الله صلى الله عليه وسلم زيدا، وكان من تبنى رجلا في الجاهلية دعاه الناس اليه وورث من ميراثه، حتى أنزل الله تعالى: {ادعوهم لآبائهم}. فجاءت سهلة النبي صلى الله عليه وسلم: فذكر الحديث

زيادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر سهلة بإرضاع سالم وحديث آخر قد يتوهم منه اتهام أم المؤمنين بدخول أحد عليها قياسا على سالم كلها زيادات في مسلم لم يذكرها البخاري رحمه الله،وهذه رواية مسلم

حدثنا عمرو الناقد وابن أبي عمر قالا حدثنا سفيان بن عيينة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت جاءت سهلة بنت سهيل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : (يا رسول الله إني أري في وجه أبي حذيفة من دخول سالم وهو حليفه فقال النبي صلى الله عليه وسلم ارضعيه قالت وكيف أرضعه وهو رجل كبير فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال قد علمت أنه رجل كبير زاد عمرو في حديثه وكان قد شهد بدرا وفي رواية بن أبي عمر فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم). وفى رواية فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ‏"‏ أَرْضِعِيهِ تَحْرُمِي عَلَيْهِ وَيَذْهَبِ الَّذِي فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ ‏"‏ ‏.‏ فَرَجَعَتْ فَقَالَتْ إِنِّي قَدْ أَرْضَعْتُهُ فَذَهَبَ الَّذِي فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ ‏.‏

حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي، حَدَّثَنِي عُقَيْلُ بْنُ، خَالِدٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّهُ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمْعَةَ، أَنَّ أُمَّهُ، زَيْنَبَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ أُمَّهَا أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَانَتْ تَقُولُ أَبَى سَائِرُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُدْخِلْنَ عَلَيْهِنَّ أَحَدًا بِتِلْكَ الرَّضَاعَةِ وَقُلْنَ لِعَائِشَةَ وَاللَّهِ مَا نَرَى هَذَا إِلاَّ رُخْصَةً أَرْخَصَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِسَالِمٍ خَاصَّةً فَمَا هُوَ بِدَاخِلٍ عَلَيْنَا أَحَدٌ بِهَذِهِ الرَّضَاعَةِ وَلاَ رَائِينَ)

قال ابن تيمية (والبخاري أحذق وأخبر بهذا الفن من مسلم؛ ولهذا لايتفقان على حديث إلا يكون صحيحا لا ريب فيه قد اتفق أهل العلم على صحته ثم ينفرد مسلم فيه بألفاظ يعرض عنها البخاري، ويقول بعض أهل الحديث إنها ضعيفة،ثم قد يكون الصواب مع من ضعفها)
ورب قائل يقول إن ابن تيمية الذي تستشهد به قبل حديث إرضاع سالم وهو الوحيد الذى رد تخصيصه
فينبغي قبوله، وردنا انه من بديهيات الإسلام أن الله لم يجعل العصمة لأحد وكل انسان يؤخذ من قوله ويترك إلاالمعصوم .
والان ماصحة الزيادة فى حديث مسلم المتعلقة بحديث إرضاع سالم رضى الله عنه
1- اكثر أهل العلم على تصحبح الحديث لشواهده وتعدد طرقه ولكنهم خصصوه بسالم
للإمام ابن بطال في شرح البخاري (7/197) كلام نفيس متين يتناسب ومقامه العالي في العلم. قال رحمه الله تعالى ما نصه: وأما خبر عائشة في رضاعة سالم فلا يخلو أن يكون منسوخاً أو خاصاً لسالم وحده. وقد قالت أم سلمة وسائر أزواج النبي صلى الله تعالى عليه وسلم: كان رضاع سالم خاصاً له. وذلك من أجل التبني الذي انضاف إليه، ولا يوجد هذا في غيره. وقد نسخ الله التبني فلا ينبغي أن يتعلق به حكم.اهـ.
وقال الإمام القرطبي في المفهم (4/186-187) جمهور السلف والخلف من الفقهاء وغيرهم حملوا الحديث على الخصوص. ورأوا أن رضاعة الكبير للأجنبية لا تجوز.اه
و. قال الحافظ ابن عبد البر : " عدم تحديث أبي مليكة بهذا الحديث لمدة سنة يدل على أنه حديث ترك قديما ولم يعمل به ، ولا تلقاه الجمهور بالقبول على عمومه ، بل تلقوه على أنه مخصوص "
. ( شرح الزرقاني على الموطأ 3/292)
2- الرضاع لم يكن بمباشرة الثدي والتقامه، وإنما كان عن طريق حلب اللبن فى إناء ثم شربه.كما ورد فى طبقات ابن سعد
وأنا أذكر بتوفيق الله تعالى ما يبطل كل شبهة قد تعرض لأحد فيتوهم أن سالماً التقم ثدي سهلة بنت سهيل رضي الله تعالى عنها. فأقول: إن رؤية الابن الكبيرالبالغ الرجل لثدي أمه أمر لا تجيزه الشريعة الغراء، ومن باب أولى أن لا تجيزالشريعة للابن الكبير الرجل أن يرضع من ثدي أمه، فكيف يمكن لفقيه مدرك لأسرارالشريعة ومداركها أن يقول: إن التقام رجل لثدي امرأة أجنبية عنه بحجة الرضاع منها جائز.
روى إمامنا مالك في موطئه ص (663) عن صفوان بن سليم عن عطاء ابن يسار أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم سأله رجل، فقال: يا رسول الله أستأذن على أمي؟ فقال: "نعم" قال الرجل: إني معها في البيت. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "استأذن عليها" فقال الرجل: إني خادمها. فقال له رسول الله صلى الله عليه
وسلم: "استأذن عليها أتحب أن تراها عُريانة؟" قال: لا، قال: "فاستأذن عليها".اهـ.
وليس المقصود بقوله عليه الصلاة والسلام "عُريانة" أي ليس عليها شيء من الثياب، وإنما المقصود خوف رؤية شيء من عورتها يدل على ذلك ما رواه الشيخان عن سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنما جعل الإذن من أجل البصر". معناه أن الاستئذان مشروع ومأمور به وإنما جعل لئلا يقع البصر على الحرام
وقال ابن عبد البر في التمهيد (8/257) ما نصه: وأما أن تلقمه ثديها كما تصنع بالطفل فلا، لأن ذلك لا يحل عند جماعة العلماء.اهـ

والآن نأتى إلى الزيادة الخاصة بأم المؤمنين

(كَانَتْ عَائِشَة تَأْمُر بَنَات إِخْوَتهَا وَبَنَات أَخَوَاتهَا أَنْ يُرْضِعْنَ مَنْ أَحَبَّتْ عَائِشَة أَنْ يَرَاهَا وَيَدْخُل عَلَيْهَا وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا خَمْس رَضَعَات ثُمَّ يَدْخُلن عَلَيْهَا)
هذه الزيادة مردودة سندا ومتنا
اولا لمخالفتها للقرآن الكريم الذى برأ أم المؤمنين من الإفك وفيه آية التطهير الذي يجمع أهل السنة على دخول أمهات المؤمنين فيها ومنهم عائشه رضى الله عنها

ثانيا ما روى عن عائشة رضى الله عنها من ذلك لا يتفق مع نزاهتها ومكانتها الدينية التى تأبى عليها أساليب الإحتيال
ثالثا هذه الزيادة لم ترد فى البخارى ولافى مسلم وماورد فى مسلم كان رأيا لعائشة مخالفة لما صح عن عائشة رضي الله عنها مرفوعاً: (فإنما الرضاعة من المجاعة). أخرجه الشيخان يعني أن الرضاعة إنما تكون محرمة إذا كانت تسد الجوع، وهي في الصغر، لأن الكبير لا يشبعه إلا الخبز

رابعا هناك تدليس ونكارة فى عبارة وإن كان كبيرا
،وهو مخالف لما صح فى مسلم والموطأ عن ‏ ‏مالك ‏ ‏عن ‏ ‏نافع ‏ ‏أن ‏ ‏سالم بن عبد الله بن عمر ‏ ‏أخبره أن ‏ ‏عائشة أم المؤمنين ‏‏أرسلت به وهو يرضع إلى أختها ‏ ‏أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق ‏ ‏فقالت ‏ ‏أرضعيه عشر رضعات حتى يدخل علي قال ‏ ‏سالم ‏ ‏فأرضعتني ‏ ‏أم كلثوم ‏ ‏ثلاث رضعات ثم مرضت فلم ترضعني غير ثلاث رضعات فلم أكن أدخل على ‏ ‏عائشة ‏ ‏من أجل أن ‏ ‏أم كلثوم ‏ ‏لم تتم لي عشر رضعات
‏فطلب عائشة بالإرضاع كان لأطفال صغارفى سن الرضاعة
تفرست بطفل خيرا وأرادت أن يدخل عليها بعد بلوغه ولم يحدث ذلك لعدم اكتمال الرضعات ولوكانت ترى إرضاع الكبير مالزم إرضاعه وهو دون الحولين كما فى الحديث
فى فتح البارى :رأيت بخط تاج الدين السبكي أنه رأى في تصنيف لمحمد بن خليل الأندلسي في هذه المسألة أنه توقف في أن عائشة وإن صح عنها الفتيا بذلك لكن لم يقع منها إدخال أحد من الأجانب بتلك الرضاعة

خامسا إيراد هذه الزيادة بعد حديث سالم تدليس يوهم ان عائشة كانت تفعل ذلك وهذه العبارة ليست من حديث مسلم ولا البخارى وإنما من رواية ابى داوود
رواها بن شهاب الزهرى عن عروة أى أن هذا ليس حديثا مرفوعا ولاحتى من قول أم المؤمنين
ويزول الشك بمعرفة أن الحديث بكل طرقه رواه ابن شهاب الزهرى كما جاء فى فتح البارى (كُلّهمْ عَنْ الزُّهْرِيِّ كَمَا قَالَ عُقَيْل) والزهرى متهم بالتدليس قال الذهبي عنه في الميزان في الجزء الرابع إنه كان يدلس نادرا، وفي (طبقات المدلسين) 1/45 (وصفه الشافعي والدارقطني وغير واحد بالتدليس)
، وقد ذهب بعض المحدثين إلى عدم قبول رواية المدلس مطلقا كما قال أحمد شاكر في شرح ألفية السيوطي
(ص20).
سادسا : فهم أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها - ‏إن صح الخبر‏ -‏ اجتهاد منها ليس إلا ‏،‏ تثاب عليه في كل الأحوال‏،‏ بأجر أو بأجرين ....ورأيها ‏ - ‏إن صح الخبر‏ -‏ ان الرضاع يمكن ان يتم قبل البلوغ ... في سن الرضاعة ( حولين) او بعده بقليل أى قبل البلوغ... ولم يثبت ابداً _ فيما وقفت عليه _ ان الرضاع الذي اجتهدت فيه كان في مرحلة الكبر ابداً


ومن هذا نخلص
أن حديث سالم كان خصوصية له بإجماع الأمة ولم يخالف فى ذلك إلا ابن تيميه الذى اطلقه عند الضرورة وبعض الظاهرية
أم المؤمنين عائشة روى عنها رأيان أصحهما ماتفق عليه الشيخان بأن الرضاعة من المجاعة أى دون الحولين
أم المؤمنين عائشة لم يدخل عيها أو يراها رجل وماورد غير ذلك منكر من القول وزور


..
رحم الله الإمام البخاري فصحيحه أصح الكتب بعد كتاب الله ... ورحم الله أم المؤمنين عائشة، قذفت في حياتها وتورط في عرضها بعض الصحابة وتناقلوا الخبر دون تحقيق
ثم اتهمت بعد مماتها وتورط بعض المسلمين وتناقلوا الحديث دون تحقيق، رغم أن الله وعظنا
بعد دروس حديث الإفك فقال تعالى "يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين"
ولا نقول إلا سبحانك هذا بهتان عظيم

الجمعة، 24 ديسمبر 2010

الاثنين، 13 ديسمبر 2010

فقــط‏..‏ نريــد أن نعيـــش


بقلم: فاروق جويدة12/9/2010


لم أندم لأنني لم أذهب إلي لجنة الانتخابات وأعطي صوتي فقد اكتشفت من البداية أنه لا يوجد أمامي في قائمة المرشحين من يستحق هذا الصوت‏..‏ ولابد أن اعترف أنني لم أحمل يوما بطاقة انتخابية‏,‏
ولم أدخل في حياتي لجنة من اللجان منذ سمعت عن الاتحاد القومي والاتحاد الاشتراكي وحزب مصر‏,‏ وأنا علي استعداد الآن أن أقبل أن نعود إلي نظام الحزب الواحد ونلغي جميع الاحزاب الورقية ونعود مرة أخري إلي النظام الشمولي ولا داعي إطلاقا لهذا الحلم السخيف الذي يسمي الديمقراطية‏..‏وإذا كان الحزب الوطني قد حصد كل هذه الأصوات وحصل علي هذه الأغلبية المطلقة فإنني أرحب وبشدة ان يصبح هو الحزب الوحيد الحاكم ولكن عندي بعض الشروط‏..‏ إذا كانت جميع الأحزاب سواء الرسمية أو المحظورة قد فشلت في هذه الانتخابات كما يدعي الحزب الوطني فما هي مبررات وجودها‏,‏ ولماذا لا نعود مرة أخري إلي الحزب الواحد ولكن بهذه الشروط‏..
‏أولا‏:‏ أن يعيد لنا هذا الحزب الشمولي مستوي الأسعار والخدمات والمعيشة إلي ما كانت عليه في زمان مضي‏,‏ وأن يوفر للناس حياة كريمة‏,‏ ولن نتحدث عن شيء يسمي الديمقراطية مرة أخري‏..‏ كل المطلوب أن يوفر لنا تعليما مناسبا لابنائنا يحافظ علي عقل هذا الشعب وتاريخه وتراثه وأن يخرج من مدارسنا مرة أخري أدباء وعلماء وكتاب ومفكرون‏,‏ وأن تعود مدارسنا كما كانت دور علم وتربية وأخلاق‏,‏ وأن تعود الجامعات إلي عصرها الذهبي في مستوي أساتذتها وعلمائها وطلابها النوابغ‏..‏ أن تعود الأسعار إلي المستوي الذي يتناسب مع دخل الفرد بحيث لا تطحنه الحكومة كل يوم‏..‏ وأن يعود إنتاجنا كما كان في المنسوجات والسكر والأدوية والمحاصيل الزراعية‏,‏ وأن نجد المحاصيل التي كنا ننتجها ونعيش منها‏..‏ وأن يعود المواطن المصري يجد السكن المناسب بالإيجار وألا تطارده الضريبة العقارية وأسعار الحديد والأسمنت وأصحاب الاحتكارات الكبري الذين استولوا علي أموال هذا الشعب في غفلة منا جميعا وأصبحوا أصحاب الاحتكارات وأصحاب الحزب وأصحاب كل شيء في هذا البلد‏..‏
ثانيا‏:‏ أن تعود العدالة الاجتماعية إلي حياة المصريين من خلال فرص متكافئة في العمل والتميز‏,‏ وأن يحصل كل إنسان علي حقه حسب إمكانياته وقدراته‏..‏ وأن يجد ملايين الشباب العاطلين في الشوارع فرصا للعمل في الشركات المميزة التي لا تفتح أبوابها إلا لأبناء الأكابر‏,‏ وأن يجد الفلاح أبنه مستشارا بلا وساطة وطبيبا بلا تزوير في نتائج الامتحانات‏,‏ وضابط شرطة دون أن يدفع شيئـا لأعضاء مجلس الشعب‏,‏ وأن يصبح ابن العامل مهندسا في السد العالي أو توشكي وأن يسافر في بعثه للخارج يكمل فيها تعليمه ويعود أستاذا في الجامعة كما عاد مئات المصريين من أبناء الفقراء والبسطاء‏,‏ وألا يلقي الأبناء أنفسهم في النيل انتحارا بعد أن أصابهم اليأس والإحباط‏..‏ وأن يجد كل شاب فرصته في مجالات الحياة المختلفة حتي ولو كان لاعب كرة أو فنانا ناشئا أو مطربا في نادي ليلي‏..‏ وان تجد كل فتاة ابن الحلال وتترك بيت العنوسة لان الزواج أصبح فقط للقادرين من أبناء العائلات الكبري الذين جمعوا الثروة والنسب والمستقبل والأصول حتي ولو كانت فاسدة‏..
‏ثالثا‏:‏ أن يجد المواطن المصري الكادح في مصنعه أو حقله الدخل الذي يتناسب مع ما يقدم من جهد‏,‏ وألا يجد نفسه يقف في طابور طويل يسمي المعاش المبكر‏,‏ وألا يجد الفلاح نفسه مطاردا من بنك الائتمان الزراعي وأسواق الأسمدة والبذور والمبيدات والسجن في اغلب الأحيان‏,‏ وألا يجلس طبيب الامتياز‏24‏ ساعة في المستشفي ولا يحصل علي‏200‏ جنيه راتبا شهريا بينما أصبح زميله الفاشل في الكلية يمتلك مستشفي كاملا ورثه عن السيد الوالد عضو مجلس الشعب أو لجنة السياسات‏..
‏رابعا‏:‏ أن تخلصنا حكومة الحزب الواحد من ديون تجاوزت الترليون جنيه وعجز في الميزانية بلغ‏100‏ مليار جنيه سنويا و‏500‏ مليار جنيه في خمس سنوات‏,‏ وأن تعيد وزارة المالية‏300‏ مليار جنيه هي أموال أصحاب المعاشات التي تسربت في غفلة منا إلي وزارة المالية ولا أحد يعرف مصيرها حتي الآن‏..‏ وأن تعيد الحكومة الشمولية مئات المشروعات التي باعتها في برنامج الخصخصة في مخالفة صريحة لكل القوانين لأنها كانت تبيع ثروة شعب ومستقبل أمة‏..‏ وأن تعيد الحكومة ثلاثة ملايين فدان وزعتها علي المحاسيب والأنصار وكذابي الزفة ورجال الأعمال والمهربين في أكبر عملية نهب شهدتها الكنانة في عصرها الحديث‏..‏ وان تعيد حكومة الحزب الواحد عشرات المليارات التي حصل عليها عدد قليل من رجال الأعمال من البنوك وتمت تسويتها‏..‏ نريد من الحزب الحاكم أن يقول لنا أين أموال قناة السويس والبترول والغاز وأين أنفق مليارات الديون‏..‏ ومليارات العجز في الميزانية ومليارات التأمينات الاجتماعية ومعاشات المواطنين‏..
‏خامسا‏:‏ أن ينتهي مسلسل الفزاعات الحكومية التي مارسها الحزب الوطني سنوات طويلة فقد أخرج لنا من جلبابه فزاعة الأخوان المسلمين لأنها تهدد أمن واستقرار حياة المصريين وبعد أن كان لهم‏88‏ مقعدا في مجلس الشعب في عام‏2005‏ خرجوا من مولد‏2010‏ بلا حمص أو حلاوة وإن بقيت فزاعة الأخوان شعارا للمرحلة‏..‏ أنهم أمام العالم الخارجي يمثلون الإسلام الذي لا يريده الغرب وأمام العالم الداخلي هم مجموعة تمثل التطرف في الفكر‏,‏ وعلي كتائب المثقفين التنويريين أن تحاصرهم‏,‏ وأن تكون هذه الكوكبة في طليعة الثقافة المصرية الرسمية في المكاسب والأموال والمصالح‏..‏إن فزاعة الإخوان المسلمين يجب أن تتصدر قائمة المشاكل والملابسات والشبهات‏..‏ وبعد ذلك كله أكتشف المصريون أن هذه الفزاعة الضخمة والخطيرة التي حشدت لها الدولة المعتقلات والسجون والمؤسسات الثقافية وأجهزة الإعلام لم تحصل علي مقعد واحد في الانتخابات التشريعية‏..‏ تري من خدع الآخر هنا‏..‏ هل بالفعل الإخوان يمثلون من حيث الوجود والتأثير الجماهيري هذا النفوذ الطاغي وهذا التهديد الرهيب‏..‏ وأين كان ذلك كله في الانتخابات حيث لم ينجح أحد‏..‏ كان عدد الأخوان المسلمين في عهد عبد الناصر‏18‏ ألفا في كل أرجاء المحروسة وكانت أجهزة الأمن تعرفهم بالاسم وتسجنهم جميعا إذا أرادت في ليلة واحدة‏,‏ ولكن الغريب أن يمنح الحزب الوطني للإخوان المسلمين‏88‏ مقعدا في انتخابات‏2005‏ ويحرمهم من هذا الشرف تماما في انتخابات‏2010‏ فما هي الحقيقة في ذلك كله‏..‏ هل كان هذا بالفعل حقهم في الانتخابات الماضية من حيث الأهمية والتواجد‏,‏ وأين ذهب ذلك كله وتلاشي في انتخابات‏2010‏ التي لم يحصلوا فيها علي شيء‏..‏ وكيف نصدق بعد ذلك أن الأخوان قادرون كما يقول الحزب الوطني علي الوصول للسلطة‏,‏ وهل يعقل أن تنظيما لم يحصل علي صوت واحد في مجلس الشعب يستطيع أن يصل إلي السلطة؟ أم أن الفزاعة انكشفت وأصبح من الصعب جدا إخفاء الحقيقة وهي أن الفزاعة مجرد خيال مآتة صنعته الحكومة لكي تؤدي دورا في مسرحية هزلية‏..‏سادسا‏:‏ ما هو مبرر وجود الأحزاب السياسية في مصر الآن إذا كان حجمها وتأثيرها بهذه الصورة المخزية‏..‏ إن هذه الأحزاب سواء كانت صاحبة تاريخ وماض أو ليس لها تاريخ لم تحصل علي شيء يؤهلها لكي تحمل أسم حزب سياسي‏..‏ إنها بلا جماهير حيث لم ينتخبها أحد‏..‏ وبلا دور حيث لا يشعر بوجودها أحد‏..‏ وإذا أضفنا لذلك كله أن ما بقي من بقايا النخبة المصرية قد تحول الجزء الأكبر منهم إلي أعضاء في حظيرة الدولة الثقافية حيث المكاسب والأرباح والغنائم‏..‏ لقد شهد حزب الوفد تجربة انتخابية فريدة وخاض الانتخابات بكل جدية‏..‏ وكانت الأحزاب الأخري رغم الحصار المفروض عليها في غاية الجدية‏,‏ فلماذا فرطت الدولة في ذلك كله ولماذا حرصت علي إجهاض تجربة كان من الممكن أن تقدم وجها طيبا لهذا البلد‏..‏ ولماذا حرص الحزب الوطني علي افساد العرس بهذه الطريقة‏..‏أعود من حيث بدأت إذا كانت الديمقراطية قد أصبحت في ظل واقع ضار مجرد حلم مستحيل فلماذا نوهم أنفسنا بان الحلم أصبح قريبا‏..‏ وكيف يتحقق هذا الحلم والحزب الحاكم لا يريد أن يترك أي فرصة لاي طرف آخر‏..‏ لقد سجن الحزب الوطني نفسه في سجن يسمي الأنانية والعشوائية وضيق الرؤي‏..‏ وأعتقد أن كل شيء حوله لا يستحق الاهتمام أو النظر إليه‏,‏ ولهذا كان ضاريا وهو يحسم بقوة السلطة نتائج الانتخابات ضاربا عرض الحائط بكل القوي السياسية‏..‏ لم يعد أمامنا الآن غير أن نطالب بتأجيل هذا الحلم السخيف حلم الديمقراطية‏,‏ وأن نترك للحزب الوطني فرصة أن يحكم بالنظام الشمولي‏,‏ ولنا شرط واحد أن يعيد الحزب للشعب ما أخذ‏,‏ وأن يوفر له قدرا ضئيلا من الحياة الكريمة‏..‏ ولن نتحدث عن الديمقراطية مرة أخري‏..‏ فقط نريد أن نعيش‏..‏

الخميس، 2 ديسمبر 2010

ضريبة الذل


بعض النفوس الضعيفة يخيل إليها أن للكرامة ضريبة باهظة، لا تطاق،
فتختار الذل والمهانة هرباً من هذه التكاليف الثقال،
فتعيش عيشة تافهة، رخيصة، مفزعة، قلقة، تخاف من ظلها، وتَفْرَقُ من صداها، "يحسبون كل صيحة عليهم" ،
"ولتجدنهم أحرص الناس على حياة".
هؤلاء الأذلاء يؤدون ضريبة أفدح من تكاليف الكرامة، إنهم يؤدون ضريبة الذل كاملة، يؤدونها من نفوسهم، ويؤدونها من أقدارهم، ويؤدونها من سمعتهم، ويؤدونها من اطمئنانهم، وكثيراً ما يؤدونها من دمائهم وأموالهم وهم لا يشعرون.
وإنهم ليحسبون أنهم ينالون في مقابل الكرامة التي يبذلونها قربى ذوي الجاه والسلطان حين يؤدون إليهم ضريبة الذل وهم صاغرون، ولكن كم من تجربة انكشفت عن نبذ الأذلاء نبذ النواة، بأيدي سادتهم الذين عبدوهم من دون الله، كم من رجل باع رجولته، ومرغ خديه في الثرى تحت أقدام السادة، وخنع، وخضع، وضحى بكل مقومات الحياة الإنسانية، وبكل المقدسات التي عرفتها البشرية، وبكل الأمانات التي ناطها الله به، أو ناطها الناس ... ثم في النهاية إذا هو رخيص رخيص، هَيِّنٌ هَيِّن، حتى على السادة الذين استخدموه كالكلب الذليل، السادة الذين لهث في إثرهم، ووَصْوَصَ بذنبه لهم، ومرغ نفسه في الوحل ليحوز منهم الرضاء!كم من رجل كان يملك أن يكون شريفاً، وأن يكون كريماً، وأن يصون أمانة الله بين يديه، ويحافظ على كرامة الحق، وكرامة الإنسانية، وكان في موقفه هذا مرهوب الجانب، لا يملك له أحد شيئاً، حتى الذين لا يريدون له أن يرعى الأمانة، وأن يحرس الحق، وأن يستعز بالكرامة، فلما أن خان الأمانة التي بين يديه، وضعف عن تكاليف الكرامة، وتجرد من عزة الحق، هان على الذين كانوا يهابونه، وذل عند من كانوا يرهبون الحق الذي هو حارسه، ورخص عند من كانوا يحاولون شراءه، رخص حتى أعرضوا عن شرائه، ثم نُبِذَ كما تُنْبَذُ الجيفة، وركلته الأقدام، أقدام الذين كانوا يَعِدُونه ويمنونه يوم كان له من الحق جاه، ومن الكرامة هيبة، ومن الأمانة ملاذ.كثير هم الذين يَهْوُونَ من القمة إلى السَّفْح، لا يرحمهم أحد، ولا يترحم عليهم أحد، ولا يسير في جنازتهم أحد، حتى السادة الذين في سبيلهم هَوَوْا من قمة الكرامة إلى سفوح الذل، ومن عزة الحق إلى مَهَاوي الضلال، ومع تكاثر العظات والتجارب فإننا ما نزال نشهد في كل يوم ضحية، ضحية تؤدي ضريبة الذل كاملة، ضحية تخون الله والناس، وتضحي بالأمانة وبالكرامة، ضحية تلهث في إثر السادة، وتلهث في إثر المطمع والمطمح، وتلهث وراء الوعود والسراب ..... ثم تَهْوِي وتَنْزَوِي هنالك في السفح خَانِعَةً مَهِينَة، ينظر إليها الناس في شماتة، وينظر إليها السادة في احتقار.لقد شاهدتُ في عمري المحدود - ومازلت أشاهد - عشرات من الرجال الكبار يحنون الرؤوس لغير الواحد القهار، ويتقدمون خاشعين، يحملون ضرائب الذل، تثقل كواهلهم، وتحني هاماتهم، وتلوي أعناقهم، وتُنَكِّس رؤوسهم .... ثم يُطْرَدُون كالكلاب، بعد أن يضعوا أحمالهم، ويسلموا بضاعتهم، ويتجردوا من الحُسنَيَيْن في الدنيا والآخرة، ويَمضون بعد ذلك في قافلة الرقيق، لا يَحُسُّ بهم أحد حتى الجلاد.لقد شاهدتهم وفي وسعهم أن يكونوا أحراراً، ولكنهم يختارون العبودية، وفي طاقتهم أن يكونوا أقوياء، ولكنهم يختارون التخاذل، وفي إمكانهم أن يكونوا مرهوبي الجانب، ولكنهم يختارون الجبن والمهانة .... شاهدتهم يهربون من العزة كي لا تكلفهم درهماً، وهم يؤدون للذل ديناراً أو قنطاراً، شاهدتهم يرتكبون كل كبيرة ليرضوا صاحب جاه أو سلطان، ويستظلوا بجاهه أو سلطانه، وهم يملكون أن يَرْهَبَهم ذوو الجاه والسلطان! لا ، بل شاهدت شعوباً بأَسْرِها تُشْفِقُ من تكاليف الحرية مرة، فتظل تؤدي ضرائب العبودية مرات، ضرائب لا تُقَاس إليها تكاليف الحرية، ولا تبلغ عُشْرَ مِعْشَارِها، وقديماً قالت اليهود لنبيها "يا موسى إن فيها قوماً جبارين وإنا لن ندخلها أبداً ماداموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هنا قاعدون" فأَدَّتْ ثمن هذا النكول عن تكاليف العزة أربعين سنة تتيه في الصحراء، تأكلها الرمال، وتذلها الغربة، وتشردها المخاوف.... وما كانت لتؤدي معشار هذا كله ثمناً للعزة والنصر في عالم الرجال.إنه لابد من ضريبة يؤديها الأفراد، وتؤديها الجماعات، وتؤديها الشعوب، فإما أن تؤدى هذه الضريبة للعزة والكرامة والحرية، وإما أن تؤدى للذلة والمهانة والعبودية، والتجارب كلها تنطق بهذه الحقيقة التي لا مفر منها، ولا فكاك.فإلى الذين يَفْرَقُونَ من تكاليف الحرية، إلى الذين يخشون عاقبة الكرامة، إلى الذين يمرِّغُون خدودهم تحت مواطئ الأقدام، إلى الذين يخونون أماناتهم، ويخونون كراماتهم، ويخونون إنسانيتهم، ويخونون التضحيات العظيمة التي بذلتها أمتهم لتتحرر وتتخلص.إلى هؤلاء جميعاً أوجه الدعوة أن ينظروا في عبر التاريخ، وفي عبر الواقع القريب، وأن يتدبروا الأمثلة المتكررة التي تشهد بأن ضريبة الذل أفدح من ضريبة الكرامة، وأن تكاليف الحرية أقل من تكاليف العبودية، وأن الذين يستعدون للموت توهب لهم الحياة، وأن الذين لا يخشون الفقر يرزقون الكفاية، وأن الذين لا يَرْهَبُون الجاه والسلطان يَرْهَبُهم الجاه والسلطان.ولدينا أمثلة كثيرة وقريبة على الأذلاء الذين باعوا الضمائر، وخانوا الأمانات، وخذلوا الحق، وتمرغوا في التراب ثم ذهبوا غير مأسوف عليهم من أحد، ملعونين من الله، ملعونين من الناس، وأمثلة كذلك ولو أنها قليلة على الذين يأبون أن يذلوا، ويأبون أن يخونوا، ويأبون أن يبيعوا رجولتهم، وقد عاش من عاش منهم كريماً، ومات من مات منهم كريما


سيد قطب