الثلاثاء، 20 أبريل 2010


السيرة الطيبة
إنّ قضية حسن السيرة أو السمعة الطيبة مهمة ومصيرية في حياة الفرد والمجتمع ولها آثارها الخطيرة على الدعوة، لذا فمن الجدير بالإنسان المؤمن أن يدعو الله تعالى لينعم عليه بهذه الصفة

كيف تتحقق؟
1/حسن السريرة حسن السيرة إنما يتحقق بحسن السريرة. فإذا كان باطن المرء طيباً طاهراً كان ظاهره كذلك أيضاً. أي أن السريرة الطيبة تعكس على شخصية الفرد وتصرفاته سيرة طيبة، والعكس بالعكس، حتى أن الإنسان ليلمسها في نفسه ويراها رأي العين. فمن كانت سريرته طيبة لا تصدر عنه تصرّفات تنمّ عن الكبر والغضب والغلظة، سواء كان ذلك من خلال العين أو اللسان أو سائر جوارحه، حين تعامله مع أسرته، أو ما يحيط به من أفراد المجتمع على مختلف أطيافهم وأصنافهم
قال تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا* وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا﴾
وكان هذا دأبه و ديدنه طيلة حياته صلى الله عليه و سلم ، و لذلك لم يستطع المشركون في بداية الدعوة أن يتهموه بالكذب ، بل قالوا : شاعر .. ساحر .. مجنون .. و لم يصدقهم الناس ، و عندما فقدوا صوابهم و أعيتهم الحيل صرخوا : كذاب .. و لكن هيهات أن يصدقهم الناس !
و روى الترمذي عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال : لما قدم النبي صلى الله عليه و سلم ، المدينة انجفل الناس إليه ، و قيل : قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم ،قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم ، قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فجئت في الناس لأنظر إليه ، فلما استثبتُّ وجه رسول الله صلى الله عليه و سلم عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب ، و كان أول شيء تكلم به أن قال : " أيها الناس ! أفشوا السلام ، و أطعموا الطعام ، و صلوا و الناس نيام ، تدخلوا الجنة بسلام " . لقد سرى صدق رسول الله صلى الله عليه و سلم ، من القلب إلى اللسان .. إلى الجوارح و تجلى على محيا وجهه الكريم .. فكل من نظر إلى طلعته و إشراقها و صفائها قرأ فيها الصدق و عرف أن وجهه ليس بوجه كذاب !

2 قراءة القرآن والعمل به
جاء في الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري أن رسول الله r قال – واللفظ لأبي داود - : ]مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأتْرُجة ريحها طيب وطعمها طيب ، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة لا ريح لها وطعمها حلو ، ومثل الفاجر الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر ، ومثل الفاجر الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة لا ريح لها وطعمها مر ، ومثل الجليس الصالح كمثل صاحب المسك إما أن يعطيك وإما أن تجد منه ريحا طيبة ومثل الجليس السوء كمثل نافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن يصيبك من دخانه [
العامل بهذا القرآن له أجر عظيم , القارئ له , رائحته طيبة سمعته طيبة , شبهه النبي في طيب سمعته واشتهار خبره وانتشار الخير عنه برائحة الأترجة , فإن لها رائحة نفاتة طيبة زاكية , يشمها الناس قبل أن يطعموها , وذلك صاحب القرآن الذي يقرؤه ويقوم به ويدعو إليه ويعمل بما دل عليه حلا وحضرا وباطنه طيب لإيمانه بهذا الكتاب حقيقة , عَمَل مع العلم , يعلم ويعمل , فالعلم هو الهدى والنور والعمل ثمرته ]من يرد الله به خيرا يفقه في الدين[ ويقول r : ]رب حامل فقه ليس بفقيه ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه[, فالشاهد إذا اقتربت من صاحب السمعة الطيبة ؛ صاحب القرآن , وجدته حلو الباطن , كما بلغك رائحته الطيبة , تذوق إذا عاشرته و خاللته وداخلته , آكلته وشاربته , جالسته , سافرت معه , تجد منه الأخلاق الطيبة فتجد باطنه وظاهره سواء , مخبره ومظهره سواء , لا يختلف هذا عن هذا , فالباطن حلو والرائحة طيبة
. وأما المؤمن الذي لا يقرأ القرآن ؛ فهذا باطنه حلو لما فيه من الإيمان الذي وقر في قلبه وبعثه على العمل تصديق بهذا النبي وبما جاء به من الهدى والعلم والخير , كلما سمع شيئا عمل به , بما دل عليه الكتاب والسنة الثابتة الصحيحة عن رسول الله , فهو وإن لم يكن من أهل القرآن لكنك إذا دخلت معه ما تجد حلاوته إلا إذا ذقته , والمذاق هنا بالمداخلة , بالمعاشرة , تجده طيب الباطن على دين وصدق واستقامة وإيمان وعدم غِلًّ وغش للمسلمين فهو ناصح بقدر ما يستطيع , قائم بأوامر الله على قدر ما يستطيع , لا تجد عنده التلون في دين الله جل وعلا , فهذا طاب باطنه , ولكن الباطن مثل التمرة لا تعرفه إلا إذا ذقته , فهكذا المؤمن الذي لا يكون عنده شيء من العلم بكتاب الله I , ولكنه على الاستقامة على دين الله , مخبره حلو . والثالث: المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة والريحان نعرفه جميعا ...طيب الرائحة , رائحته إذا هب الهواء أو جاء المطر أو قطفت ووضعت في مكان بارد ندي انتشرت ولكن إذا جئت تختبره تذوق , وإذا باطنها مر , فهكذا الذي يتصنع – عافانا الله وإياكم – يتصنع للناس ظاهرا ويتظاهر بالاستقامة على أمر الله ورسوله والعمل بهذا الكتاب في الظاهر وهو في الحقيقة في الباطن معرض عن أوامر الله Iوأوامر رسوله r, معرض عما دل عليه الكتاب وعما دعا إليه هذا الكتاب وعما هدى إليه هذا الكتاب حلا وحظرا , تجده مر وذلك لأن الإيمان لم يقر في قلبه ولم يتمكن , فهؤلاء إذا ما داخلتهم كشفت حقيقتهم , وجدتها حقيقة خبيثة مرة , مرة الطعم وهذه تكشف بالمخاللة وتكشف بالمصاحبة , فنسأل الله جل وعلا أن يعافينا وإياكم ممن هذه حاله
والرابع : المنافق كما عند الشيخين الذي لا يقرأ القرآن , لا قراءة ولا عمل مثله كمثل الحنظلة ؛ لا ريح لها وهي خبيثة إذا ما جئتها , فكما أنك لا تسمع عنها بشيء لا تشم لها رائحة , فهذا لا ترى له عمل لا تسمع له قراءة للقرآن , لأن الله جل وعلا قد أخبر عن المنافقين أنهم يراؤون : ]و َإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً ( 142 ) مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَـؤُلاء وَلاَ إِلَى هَـؤُلاء ...[[2] نسأل الله العافية والسلامة , لا هم إلى أهل الإيمان و لا هم إلى أهل الكفر الظاهر , فهؤلاء يُعْرَفُون بالمعاشرة يكشفون بالمداخلة , ويصطدم فيهم المرء بالحقيقة المرة , فالذي لا يشاع عنه العمل الصالح ظاهرا و لا يُسَنُّ منه العمل الصالح ظاهرا , ولا تبلغ أخباره في القيام بهذا الدين ظاهرا هذا هو المنافق الذي لا ريح طيبة عنده و لا طعم طيب عنده , فلهذا شبهه النبي r بالحنظلة , والحنظل نعرفه جميعا ؛ المرار إذا أكلته الدواب تشققت شفاهها ومشافرها لشدة مرارته و لا رائحة له , فلا رائحة تحب فيه ويهتدى بها إليه , ولا طعم إذا ما كشفت عنه يحببك فيه , فهو سيء المخبر و المظهر عافانا الله وإياكم من ذلك
3/حب الله للعبد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
إذا أحب الله تعالى العبد نادى جبريل إن الله تعالى يحب فلانا فأحببه فيحبه جبريل فينادى في أهل السماء إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض متفق عليه وفي رواية لمسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى إذا أحب عبدا دعا جبريل فقال إني أحب فلانا فأحببه فيحبه جبريل ثم ينادي في السماء فيقول إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض وإذا أبغض عبدا دعا جبريل فيقول إني أبغض فلانا فأبغضه فيبغضه جبريل ثم ينادي في أهل السماء إن الله يبغض فلانا فأبغضوه فيبغضه أهل السماء ثم توضع له البغضاء في الأرض
4 حسن الخلق الخلق الحسن صفة من صفات الأنبياء والصديقين قال الله تعالى لنبيه وحبيبه مثنياً عليه ومظهراً نعمته لديه " وإنك لعلى خلق عظيم " وقالت عائشة رضي الله عنها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم خلقه القرآن وسأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حسن الخلق فتلا قوله تعالى " خذ العفو وأمر بالعرف واعرض عن الجاهلين " ثم قال صلى الله عليه وسلم " هو أن تصل قطعك وتعطي من حرمك وتعفو ظلمك وقال صلى الله عليه وسلم: " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " وقال صلى الله عليه وسلم " أثقل ما يوضع في الميزان يوم القيامة تقوى الله وحسن الخلق
وقال رجل لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم:
أوصني فقال " اتق الله حيثما كنت " قال زدني قال " أتبع السيئة تمحها " قال زدني قال " خالق الناس بخلق حسن"
كان رسول الأسلام بين أصحابه مثلا أعلى للخلق الذى يدعو اليه، فهو يغرس بين أصحابه هذا الخلق السامى، بسيرته العاطره، قبل أن يغرسه بما يقول من حكم و عظات.
قالت خديجة رضى الله عنها والله ما يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقرى الضيف، وتعين على نوائبوعن عبد الله بن عمرو قال :إن رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يكن فاحشا و لا متفحشا، و كان يقول (( خياركم أحاسنكم أخلاقا )) .و عن أنس قال : خدمت النبى صلى الله عليه و سلم عشر سنين. و الله ما قال لى : أف قط، و لا قال لشئ : لم فعلت كذا؟ و هلا فعلت كذا ؟و عنه: إن الأمة كانت لتأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه و سلم فتنطلق به حيث شائت، و كان إذا أستقبله فصافحه، لا ينزع يده من يده، حتى يكون الرجل ينزع يده، و لا يصرف وجهه عن وجهه، حتى يكون الرجل هو الذى يصرفه، و لم ير مقدما ركبتيه بين يدى جليس له - يعنى أنه يتحفظ مع جلسائه فلا يتكبر- .و عن عائشه رضى الله عنها قالت: ((ما خير رسول الله صلى الله عليه و سلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما، فإن كان إثما كان أبعد الناس عنه، و ما أنتقم رسول الله صلى الله عليه و سلم لنفسه فى شئ قط ، الا أن تنتهك حرمه الله فينتقم، وما ضرب رسول الله صلى الله عليه و سلم شيئا قط بيده، ولا امرأة ولا خادما، الا أن يجاهد فى سبيل الله تعالى .وعن عائشه رضى الله عنها: ما كان أحد أحسن خلقا من رسول الله، ما دعاه أحد من أصحابه ولا أهل بيته إلا قال : لبيك.و عن أنس: كنت أمشى مع رسول الله صلى الله عليه و سلم و عليه برده غليظه الحاشية ، فأدركه أعرابيا فجذبه جذبه شديدة، حت نظرت الى صفحه عاتق رسول الله، و قد أثرت بهل حاشيه البرد من شده جذبته، ثم قال : يا محمد مر لى من مال الله الذى عندك ! فألتفت إليه رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و ضحك، و أمر له بعطاء .
وجمع بعضهم علامات حسن الخلق فقال: هو أن يكون كثير الحياء قليل الأذى كثير الصلاح صدوق اللسان قليل الكلام كثير العمل قليل الزلل قليل الفضول براً وصولاً وقوراً صبوراً شكوراً رضياً حكيماً رفيقاً عفيفاً شفيقاً لا لعاناً ولا سباباً ولا نماماً ولا مغتاباً ولا عجولاً ولا حقوداً ولا بخيلاً ولا حسوداً بشاشاً هشاشاً يحب في الله ويبغض في الله ويرضى في الله وسئل عليه السلام: أي الأعمال أفضل قال " خلق حسن "
/ / وأن الأخلاق السيئة سموم قاتلة، تنخرط بصاحبها في سلك الشيطان، وأمراض تفوت جاه الأبد، فينبغي أن تعرف العلل ثم التشمير في معالجتها قال الفضيل: قيل لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: إن فلانة تصوم النهار وتقوم الليل وهي سيئة الخلق تؤذي جيرانها بلسانها قال " لا خير فيها هي من أهل النار
4/مصاحبة أهل الخير، فإن الطبع لص يسرق الخير والشر.قلت: ويؤيد ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل".
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحا طيبة ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحا منتنة
5البعد عن المعاصى (إن للسيئةلظلمةفى الوجه وضيقا في الرزق ووهنافي البدن وبغضا فى قلوب الخلق)
6الاحسان فى العمل
7الزهد في ما في أيدى الناس:ورد فى الحديث(ازهد فى الدنيا يحبك الله وازهد فيماعند الناس يحبك الناس)
8السماحة فى البيع والشراء
9الحرص على خدمة الناس وقضاء حوائجهم
10احترام الآداب العامه:لايليق بالمسلم أن يرتكب مايعد خرقا لقواعد المروءةكالنظافه العامة واشارات المرور و……

…أهمية السيرة الطيبة
1 عاجل بشرى المؤمن: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا)مريم96
قال المناوى في فتح القدير"أى يحدث له فى القلب مودة ويزرع له فيها مهابه فتحبه القلوب وترضى عنه النفوس من غير تودد منه ولا تعرض للأسباب التى تكتسب لها مودات القلوب من قرابة أوصداقةأواصطناع"
2 - تبعث فى نفس المؤمن السكينة وفي قلبه الطمأنينة وهو يدعو الى الله
يقول الشهيد سيد قطب فى تفسير سورة يوسف
(الدرس يبدأ بآخر فقرة في المشهد السابق مشهد الملك يستجوب النسوة اللاتي قطعن أيديهن كما رغب إليه يوسف أن يفعل تمحيصا لتلك المكايد التي أدخلته السجن وإعلانا لبراءته على الملأ قبل أن يبدأ مرحلة جديدة في حياته ; وهو يبدؤها واثقا مطمئنا في نفسه سكينة وفي قلبه طمأنينة وقد أحس أنها ستكون مرحلة ظهور في حياة الدولة وفي حياة الدعوة كذلك فيحسن أن يبدأها وكل ما حوله واضح ولا شيء من غبار الماضي يلاحقه وهو بريء)
3 إشاعة الاخلاق الحميدة والسلوكيات القويمة فى المجتمع بالاسوةالحسنة، فالرجل السئ لايترك فى نفوس من حوله اثرا طيبا.و إنما يتوقع الأثر الطيب ممن تمتد العيون الى شخصه، فيروعها أدبه و تقتبس- بالأعجاب المحض من خلاله، و تمشى بالمحبه الخالصه من أثاره.بل لابد- ليحصل التابع على قدر كبير من الفضل- أن يكون فى متبعه قدر أكبر و قسط أجل..و قد كان رسول الأسلام بين أصحبه مثلا أعلى للخلق الذى يدعو اليه، فهو يغرس بين أصحابه هذا الخلق السامى، بسيرته العاطره،قبل أن يغرسه بما يقول من حكم و عظات.

.آثارها على الدعوة
1 تفتح قلوب الناس
2تيسر للداعية القيام بواجب الدعوة نحن نحتاج إلى نمط من الدعاة آثروا الصدق في أقوالهم و أفعالهم حتى أصبح الصدق سجية تجري في عروقهم ، و تطل من طلعات وجوههم ، فإذا رآهم الناس قالوا : هذه ليست بوجوه كذابين !
كما نحن بحاجة إلى دعاة يتجملون بالخلق الكريم ، و يتأبون على الإثارة الاستفزاز فيحتفظون بهدوئهم و اعتدال منطقهم في سائر الأحوال حتى إذا أبصر الناس منهم هذا هتفوا : هذه أخلاق أنبياء !
· إن صدقنا في حمل دعوتنا هو الذي يجعل الناس يتقبلون ديننا ، و ليس يليق بنا أن نكون كالممثل على المسرح ، يظهر للناس بهيئة خلاف حقيقته ، فمثل هذا سرعان ما ينكشف أمره ، و يعرض الناس عنه .
نقل عن بعض السلف أنه كان إذا وعظ أبكى الناس ، حتى تختلط الأصوات و يعلو النحيب ، و قد يتكلم في المجلس من هو أغزر منه علما ، و أجود منه عبارة ، فلا تتحرك القلوب و لا يبكي أحد !
فسأله ابنه يوما عن هذا ، فقال : يا بني لا تستوي النائحة الثكلى و النائحة المستأجرة !
إذن فالوسيلة الأولى لنجاح الداعية هي : صدقه في حمل دعوته ، و جديته في ذلك ، و أن يكون الصدق في الأقوال و الأعمال منهجه و شعاره . ليس المهم هو الكلمات المنمقة المعسولة - و إن كانت مطلوبة - ، إنما الأهم من ذلك الصدق ، و أن يكون منسجما مع نفسه وحاله ، و أن يكون حديثه عن معاناة
3 تثير تعاطف الناس للداعية وتفاعلهم معه أثناء المحن والشدائد

نماذج السيرة الطيبة
1 الرسول الكريم
2عمربن عبد العزيز: إنه من جعل كبيرَ المسلمين له أبًا، وأوسطهم أخًا وأصغرهم ولدًا، فوقّر أباه، وأكرم أخاه وعطف على ولده، إنه القِيَم والأخلاق والمثل، وما أجمل وأروع أن نرى المثل رجالا، والأخلاق واقعًا ملموسًا، إنه من العادلين إن ذكر العدل، إنه الخائف من الله إن ذكر الخائفون، إنه من حيزت له الدنيا بين يديه فتولى الخلافة فلم يصلح بينه وبين الله أحد من خلقه فخاف الله وما تكبر وما تجبر وما ظلم، خشي الله فعدل، خشي الله فأمن، خشي الله فرضي انه من أشدالحكام المسلمين بغضاإلي النصارى والعلمانين لأنه أعجزهم بعدله وحيرهم بحلمه وأذهلهم بسيرته الطيبه فدخل الناس في عهده في دين الله أفواجا رغم أن عهده كان أقل العهود في الفتوحات العسكرية وسنذكر موقف واحد من مواقفه: يرويها الطبري عن الطفيل بن مرداس ، يقول : إن أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز حين ولي الخلافة كتب إلى سليمان بن أبي السري واليه على الصغد كتاباً قال فيه : اتخذْ في بلادك فنادقَ لاستضافة المسلمين ، فإذا مرَّ بها أحد منهم فاستضيفوه يوماً وليلة ، مجاناً ، وأصلحوا شأنه ، وتعهدوا دوابه ، فإذا كان يشكو نصباً ، السبب أنه في عهد هذا الخليفة العظيم جمعت أموال الزكاة ، وكأن الفقر قد انتهى ، لذلك لم يجد هذا الخليفة مصرفاً للزكاة ، فبدا له أن يفيَ عن الغارمين دَيْنَهم ، ثم أمر بهذه المرافق الحيوية كي تكون في خدمة المسلمين ، فإذا كان يشكو نصباً فاستضيفوه يومين وليلتين ، وواسوه ، فإذا كان منقطعاً لا مؤنة عنده ، ولا دابة تحمله ، فأعطوه ما يسدّ حاجته ، وأوصلوه إلى بلده ، فصدع الوالي بأمر أمير المؤمنين ، وأقام الفنادق التي أمره بإعدادها ، فَسَرَتْ أخبارُها في كل مكان ، وطفِق الناسُ في مشارق البلاد الإسلامية ومغاربها يتحدثون عنها ، ويشيدون بعدل الخليفة وتقواه.
فما كان من وجوه أهل سمرقند - هذه البلاد الآن تابعة للجمهوريات الإسلامية التي كانت تابعة للاتحاد السوفيتي - فما كان من وجوه أهل سمرقند إلا أن وفدوا على واليها ، سليمان بن أبي السري ، وقالوا : - الآن دققوا - إن سلفك قتيبة بن مسلم الباهلي قد دهم بلادنا ، من غير إنذار ، ولم يسلك في حربنا ما تسلكونه معشر المسلمين ، فقد عرفنا أنكم تدعون أعداءكم إلى الدخول في الإسلام ، فإن أبوا دعوتموهم إلى دفع الجزية ، فإن أبوا أعلنتم عليهم القتال ، هؤلاء أهل سمرقند بَلَغهم أن هذه هي الطريقة الشرعية لفتح البلاد ، أمّا هم فلم يُعرَض عليهم الإسلام ، ولم يُدعَوا إلى دفع الجزية ، بل حوربوا مباشرة ، فاشتكوا إلى الوالي الذي كان عليهم ، اشتكوا سلفه الذي داهم بلادهم ، وهو قتيبة بن مسلم الباهلي ، يقولون : وإنا قد رأينا من عدل خليفتكم وتقواه ما أغرانا بشكوى جيشكم إليه ، فقدَّم أهل سمرقند شكوى ، والاستنصار بكم على ما أنزله بنا قائد من قوادكم ، فأْذَنْ أيها الأمير لوفد منا بأن يَفِد على خليفتكم ، وأن يرفع ظلامتنا إليه ، اسمح لنا أن نرسل وفدًا إلى دمشق نرفع ظلامتنا على قتيبة بن مسلم الباهلي الذي داهمنا ، ولم يسلك الطريقة التي شرعها نبيُّكم ، فإذا كان لنا حق أعطيناه ، وإن لم يكن لنا حق عدنا من حيث ذهبنا ، فأذن سليمان لوفد منهم بالقدوم على الخلفية في دمشق ، فلما صاروا في دار الخلافة ، رفعوا أمرهم إلى خليفة المسلمين عمر بن عبد العزيز ، فكتب الخليفةُ كتاباً إلى واليه سليمان بن أبي السري ، يقول فيه : أما بعد ؛ فإذا جاءك كتابي هذا فأجلِسْ إلى أهل سمرقند قاضياً ينظر في شكواهم ، يكفي قاضٍ من عندك ، فإن قضى لهم ، فأمر جيش المسلمين بأنْ يغادر مدينتهم ، وادعُ المسلمين المقيمين بينهم إلى النزوح عنهم ، وعودوا كما كنتم ، ويعودون كانوا قبل أن يدخل ديارهم قتيبةُ بن مسلم الباهلي .
بلدة فتحت عن طريق الحرب ، ويعلم أهلها أن هذا الفتح فيه خلل شرعي ، يذهب وفدٌ منهم إلى خليفة المسلمين ، وبكل بساطة يقول للوالي عليهم : أَجلِسْ إليهم قاضياً يحكم بينهم وبين طريقة فتح بلادهم ، فإن كانوا على حق فأْمر جيشك أن يخرج من بلدتهم ، وأْمر المسلمين المقيمين بأن ينزحوا عنهم ، وعودوا كما كنتم قبل فتح البلدة ، تلك التي فتحها قتيبة بن مسلم الباهلي ، وهناك تفصيلات أدق من ذلك ، لقد أعطاهم كتاباً على شكل قصاصة صغيرة ، فما صدقوه ، هل هذا معقول ؟! جيش بكامله ينسحب بهذه القصاصة أو بهذه الكلمة !! .
فلما قدم الوُفد على سليمان بن أبي السري ، ودفع إليه كتاب أمير المؤمنين ، بادر ، أَجْلَسَ إليهم قاضي القضاة جميع بن حاضر الناجي قاضي القضاة ، أعلى قاض ، فنظر في شكواهم ، واستقصى أخبارهم ، واستمع إلى شهادة طائفة من جند المسلمين وقادتهم ، فاستبان له صحة دعواهم ، وقضى لهم عند ذلك ، الآن صدر قرار مِن قاضٍ مسلم يحكم على جيش إسلامي بالخروج من سمرقند ، لأن فتحها لم يكن شرعياً ، عند ذلك أمر الوالي جندَ المسلمين أن يُخلُوا لهم ديارهم ، وأن يعودوا إلى معسكراتهم ، وأن ينابذوهم كرّة أخرى ، فإما أن يدخلوا بلادهم صلحاً بالجزية ، وإما أن يظفروا بها حرباً ، وإما ألاّ يكتب لهم الفتح لو انهزموا ، لم يصدَّقْ أهل سمرقند لما جرى ، فما سمع وجوه القوم حكمَ قاضي القضاة لهم ، حتى قال بعضهم لبعض : وَيْحَكُم ، لقد خالطتُم هؤلاء القوم ، وأقمتم معهم ، ورأيتموهم من سيرتهم ، وعدلهم ، وصدقهم ما رأيتم فاسْتَبْقوهم عندكم ، وطِيبُوا بمعاشرتهم نفساً ، وقرُّوا بصحبتهم عيناً .
3العز بن عبد السلام:قال عنه المؤرخون شيخ كان يهابه الملوك ويطيعه الشعب ويذلّ أمامه الجبّارون، شيخ كان له الموقف الذي أنقذ الله به الحضارة وحوّل مجرى التاريخ.
4التجار المسلمون الذين فتحواأفريقيا واندونيسيا بأخلاقهم وسمعتهم الطيبة فكان هؤلاء التجار من غير المحترفين للدعوة أصلا، ولكنهم اجتذبوا الناس أينما حلوا إلى دينهم بالمثل الطيب والقدوة الحسنة. فكان التاجر المسلم مثالا للصدق والأمانة وسط البيئات التي تجول فيها للتجارة، وعضوا فعالا في رفاهية تلك البيئات وأهلها. وصار بهذا الخلق مثلا أعلى للداعية الإسلامي، وملجأ للناس يجدون عنده ما يهديهم إلى الدين الإسلامي وتعاليمه.