الجمعة، 28 نوفمبر 2008

لماذا لانتأثر بالقرآن؟

مالسبب في أننا لانتأثر بالقرآن ؟ لماذا لا نشعر بطعم حلاوتة وطلاوته؟ لماذا لانزداد ايمانا إذا تليت علينا آياته؟ هل تريد الجواب ؟ ادخل على هذا الرابط >

>

الأربعاء، 19 نوفمبر 2008

[كتاب الحج ] مختصر من إحياء علوم الدين


الفصل الأول في فضائل الحج وفضيلة البيت ومكة والمدينة حرسهما الله تعالى
قال الله عز وجل ‏"‏ وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ‏"‏ وقال قتادة لما أمر الله عز وجل إبراهيم صلى الله عليه وسلم وعلى نبينا وعلى كل عبد مصطفى أن يؤذن في الناس بالحج نادى‏:‏ يا أيها الناس إن الله عز وجل بنى بيتاً فحجوه وقال
تعالى ‏"‏ ليشهدوا منافع لهم ‏"‏ قيل التجارة في الموسم والأجر في الآخرة‏.‏
ولما سمع بعض السلف هذا قال‏:‏ غفر لهم ورب الكعبة‏.‏
وقيل في تفسير قوله عز وجل ‏"‏ لأقعدن لهم صراطك المستقيم ‏"‏ أي طريق مكة يقعد الشيطان عليها ليمنع الناس منها
وقال صلى الله عليه وسلم ‏"‏ من حج البيت فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ‏" رواه البخاري ومسلم والترمذي إلا أنه قال غفر له ما تقدم من ذنبه ‏
‏- وقال صلى الله عليه وسلم "من مات ولم يحج فليمت إن شاء يهوديا وإن شاء نصرانيا"أخرجه ابن عدي من حديث أبي هريرة والترمذي نحوه من حديث علي وقال: غريب وفي إسناده مقال.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي العمل أفضل قال إيمان بالله ورسوله
قيل ثم ماذا قال الجهاد في سبيل الله
قيل ثم ماذا قال حج مبرور
رواه البخاري ومسلم

وعنه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة
رواه مالك والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه

وعن ابن شماسة رضي الله عنه قال حضرنا عمرو بن العاصي وهو في سياقة الموت فبكى طويلا وقال فلما جعل الله الإسلام في قلبي أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله ابسط يمينك لابايعك فبسط يده فقبضت يدي فقال ما لك يا عمرو قال أردت أن أشترط
قال تشترط ماذا قال أن يغفر لي
قال أما علمت يا عمرو أن الإسلام يهدم ما كان قبله وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها وأن الحج يهدم ما كان قبله
رواه ابن خزيمة في صحيحه هكذا مختصرا ورواه مسلم وغيره أطول منه (صحيح)
روى البخاري وغيره وابن خزيمة في صحيحه ولفظه عن عائشة رضى الله عنها قالت قلت يا رسول الله هل على النساء من جهاد قال عليهن جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال جهاد الكبير والضعيف والمرأة الحج والعمرة
رواه النسائي بإسناد حسن
وعن ماعز رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل أي الأعمال أفضل قال إيمان بالله وحده ثم الجهاد ثم حجة برة تفضل سائر الأعمال كما بين مطلع الشمس إلى مغربها
رواه أحمد والطبراني ورواة أحمد إلى ماعز رواة الصحيح وماعز هذا صحابي مشهور غير منسوب
وعن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة
قيل وما بره قال إطعام الطعام وطيب الكلام
رواه أحمد والطبراني في الأوسط بإسناد حسن وابن خزيمة في صحيحه والبيهقي والحاكم مختصرا وقال صحيح الإسناد
وعن عبد الله يعني ابن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة
رواه الترمذي وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما وقال الترمذي حديث حسن صحيح
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول ما ترفع إبل الحاج رجلا ولا تضع يدا إلا كتب الله له بها حسنة
أو محا عنه سيئة أو رفع بها درجة
رواه البيهقي وابن حبان في صحيحه
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحجاج والعمار وفد الله إن دعوه أجابهم وإن استغفروه غفر لهم
رواه النسائي وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما ولفظهما قال وفد الله ثلاثة الحاج والمعتمر والغازي (صحيح)
وقدم ابن خزيمة الغازي
وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تعجلوا إلى الحج يعني الفريضة
رواه أبو القاسم الأصبهاني(حسن لغيره)
وروى ابن عمر رضي الله عنهما قال كنت جالسا مع النبي صلى الله عليه وسلم في مسجد منى فأتاه رجل من الأنصار ورجل من ثقيف فسلما ثم قالا يا رسول الله جئنا نسألك فقال إن شئتما أخبرتكما بما جئتما تسألاني عنه فعلت وإن شئتما أن أمسك وتسألاني فعلت فقالا أخبرنا يا رسول الله فقال الثقفي للأنصاري سل فقال أخبرني يا رسول الله فقال جئتني تسألني عن مخرجك من بيتك تؤم البيت الحرام وما لك فيه وعن ركعتيك بعد الطواف وما لك فيهما وعن طوافك بين الصفا والمروة وما لك فيه وعن وقوفك عشية عرفة وما لك فيه وعن رميك الجمار وما لك فيه وعن نحرك وما لك فيه مع الإفاضة فقال والذي بعثك بالحق لعن هذا جئت أسألك
قال فإنك إذا خرجت من بيتك تؤم البيت الحرام لا تضع ناقتك خفا ولا ترفعه إلا كتب الله لك به حسنة ومحا عنك خطيئة وأما ركعتاك بعد الطواف كعتق رقبة من بني إسماعيل عليه السلام وأما طوافك بالصفا والمروة كعتق سبعين رقبة وأما وقوفك عشية عرفة فإن الله يهبط إلى سماء الدنيا فيباهي بكم الملائكة يقول عبادي جاؤوني شعثا من كل فج عميق يرجون جنتي فلو كانت ذنوبكم كعدد الرمل أو كقطر المطر أو كزبد البحر لغفرتها أفيضوا عبادي مغفورا لكم ولمن شفعتم له وأما رميك الجمار فلك بكل حصاة رميتها تكفير كبيرة من الموبقات وأما نحرك فمذخور لك عند ربك وأما حلاقك رأسك فلك بكل شعرة حلقتها حسنة ويمحى عنك بها خطيئة وأما طوافك بالبيت بعد ذلك فإنك تطوف ولا ذنب لك
يأتي ملك حتى يضع يديه بين كتفيك فيقول اعمل فيما تستقبل فقد غفر لك ما مضى
رواه الطبراني في الكبير والبزار واللفظ له وقال وقد روي هذا الحديث من وجوه ولا نعلم له أحسن من هذا الطريق
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من خرج حاجا فمات كتب له أجر الحاج إلى يوم القيامة ومن خرج معتمرا فمات كتب له أجر المعتمر إلى يوم القيامة ومن خرج غازيا فمات كتب له أجر الغازي إلى يوم القيامة
رواه أبو يعلى من رواية محمد بن إسحاق وبقية رواته ثقات(حسن لغيره)

بيان الأعمال الباطنة ووجه الإخلاص في النية وطريق الاعتبار بالمشاهد الشريفة وكيفية الافتكار فيها والتذكر لأسرارها ومعانيها من أول الحج إلى آخره
-أعلم أن أول الحج الفهم أعني فهم موقع الحج في الدين
-ثم الشوق إليه
- ثم العزم عليه
-ثم قطع العلائق المانعة منه
ثم شراء ثوب الإحرام ثم شراء الزاد ثم اكتراء الراحلة ثم الخروج ثم المسير في البادية
ثم الإحرام من الميقات بالتلبية ثم دخول مكة ثم استتمام الأفعال كما سبق‏.‏
وفي كل واحد من هذه الأمور تذكرة للمتذكر وعبرة للمعتبر وتنبيه للمريد الصادق وتعريف وإشارة للفطن‏.‏
فلنرمز إلى مفاتحها حتى إذا انفتح بابها وعرفت أسبابها انكشفت لكل حاج من أسرارها ما يقتضيه صفا قلبه وطهارة باطنه وغزارة فهمه‏.‏
أما الفهم‏:‏ اعلم أنه لا وصول إلى الله سبحانه وتعالى إلا بالتنزه عن الشهوات والكف عن اللذات والاقتصار على الضرورات فيها والتجرد لله سبحانه في جميع الحركات والسكنات‏.‏
ولأجل هذا
انفرد الرهبانيون في الملل السالفة عن الخلق وانحازوا إلى قلل الجبال وآثروا التوحش عن الخلق لطلب الأنس بالله عز وجل فتركوا لله عز وجل اللذات الحاضرة وألزموا أنفسهم بالمجاهدات الشاقة طمعاً في الآخرة وأثنى الله عز وجل عليهم في كتابه فقال ‏"‏ ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون ‏"‏ فلما اندرس ذلك وأقبل الخلق على اتباع الشهوات وهجروا التجرد لعبادة الله عز وجل وفتروا عنه بعث الله عز وجل نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم لإحياء طريق الآخرة وتجديد سنة المرسلين في سلوكها‏.‏
فسأله أهل الملل عن الرهبانية والسياحة في دينه فقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ أبدلنا الله بها الجهاد والتكبير على كل شرف يعني الحج ‏"‏أخرج أبو داود من حديث أبي أمامة "أن رجلا قال: يا رسول الله ائذن لي في السياحة فقال إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله" رواه الطبراني بلفظ "إن لكل أمة سياحة وسياحة أمتي الجهاد في سبيل الله ولكل أمة رهبانية ورهبانية أمتي الرباط في نحر العدو" وللبيهقي في الشعب من حديث أنس "رهبانية أمتي الجهاد في سبيل الله" وكلاهما ضعيف والترمذي وحسنه والنسائي في اليوم والليلة وابن ماجة من حديث أبي هريرة "أن رجلا قال يا رسول الله إني أريد أن أسافر فأوصني قال عليك بتقوى الله والتكبير على كل شرف".
فأنعم الله عز وجل على هذه الأمة بأن جعل الحج رهبانية لهم فشرف البيت العتيق بالإضافة إلى نفسه تعالى‏.‏
ونصبه مقصداً لعباده وجعل ما حواليه حرماً لبيته تفخيماً لأمره‏.‏
وجعل عرفات كالميزاب على فناء حوضه‏:‏ وأكد حرمة الموضع بتحريم صيده وشجره‏.‏
ووضعه على مثال حضرة الملوك يقصده الزوار من كل فج عميق ومن كل أوب سحيق شعثاً غبراً متواضعين لرب البيت ومستكينين له خضوعاً لجلاله واستكانة لعزته‏.‏
مع الاعتراف بتنزيهه عن أن يحويه بيت أو يكتنفه بلد ليكون ذلك أبلغ في رقهم وعبوديتهم وأتم في إذعانهم وانقيادهم‏.‏
ولذلك وظف عليهم فيها أعمالاً لا تأنس بها النفوس ولا تهتدي إلى معانيها العقول كرمي الجمار بالأحجار والتردد بين الصفا والمروة على سبيل التكرار‏.‏
وبمثل هذه الأعمال يظهر كمال الرق والعبودية‏.‏
فإن الزكاة إرفاق ووجهه مفهوم وللعقل إليه ميل‏.‏
والصوم كسر للشهوة التي هي آلة عدو الله وتفرغ للعبادة بالكف عن الشواغل‏.‏
والركوع والسجود في الصلاة تواضع لله عز وجل بأفعال هي هيئة التواضع وللنفوس أنس بتعظيم الله عز وجل‏.‏
أما ترددات السعي ورمي الجمار وأمثال هذه الأعمال فلا حظ للنفوس ولا أنس فيها ولا اهتداء للعقل إلى معانيها فلا يكون في الإقدام عليها باعث إلا الأمر المجرد وقصد الامتثال للأمر من حيث إنه أمر واجب الاتباع فقط‏.‏
وفيه عزل للعقل عن تصرفه وصرف النفس والطبع عن محل أنسه فإن كل ما أدرك العقل معناه مال الطبع إليه ميلاً ما‏.‏
فيكون ذلك الميل معيناً للأمر وباعثاً معه على الفعل فلا يكاد يظهر به كمال الرق والانقياد‏.‏
وإذا اقتضت حكمة الله سبحانه وتعالى ربط نجاة الخلق بأن تكون أعمالهم على خلاف هوى طباعهم وأن يكون زمامها بيد الشرع فيترددون في أعمالهم على سنن الانقياد وعلى مقتضى الاستعباد‏.‏
كان ما لا يهتدي إلى معانيه أبلغ أنواع التعبدات في تزكية النفوس وصرفها عن مقتضى الطباع والأخلاق‏‏ وهذا القدر كاف في تفهم أصل الحج إن شاء الله تعالى‏.‏
وأما الشوق‏:‏ فإنما ينبعث بعد الفهم والتحقق بأن البيت بيت الله عز وجل وأنه وضع على مثال حضرة الملوك فقاصده قاصد إلى الله عز وجل وزائر له وأن من قصد البيت في الدنيا جدير بأن لا يضيع زيارته فيرزق مقصود الزيارة في ميعاده المضروب له وهو النظر إلى وجه الله الكريم في دار القرار من حيث إن العين القاصرة الفانية في دار الدنيا لا تتهيأ لقبول النظر إلى وجه الله عزوجل ولا تطيق احتماله ولا تستعد للاكتحال به لقصورها وأنها إن أمدت في الدار الآخرة بالبقاء ونزهت عن أسباب التغير والفناء استعدت للنظر والإبصار ولكنها بقصد البيت والنظر إليه تستحق لقاء رب البيت بحكم الوعد الكريم‏.‏
فالشوق إلى لقاء الله عز وجل يشوقه إلى أسباب اللقاء لا محالة هذا مع أن المحب مشتاق إلى كل ماله إلى محبوبه إضافة والبيت مضاف إلى الله عز وجل فبالحري أن يشتاق إليه لمجرد هذه الإضافة فضلاً عن الطلب لنيل ما وعد عليه من الثواب الجزيل‏.‏
وأما العزم‏:‏ فليعلم أنه بعزمه قاصداً إلى مفارقة الأهل والوطن ومهاجرة الشهوات واللذات متوجهاً إلى زيارة بيت الله عز وجل‏ فينبغي أن يبدأ بالتوبة ورد المظالم وقضاء الديون وإعداد النفقة لكل من تلزمه نفقته إلى وقت الرجوع ويرد ما عنده من الودائع‏.‏
ويستصحب من المال الحلال الطيب ما يكفيه لذهابه وإيابه من غير تقتير بل على وجه يمكنه معه التوسع في الزاد والرفق بالضعفاء والفقراء‏.‏
ويتصدق بشيء قبل خروجه ويشتري لنفسه دابة قوية على الحمل لا تضعف أو يكتريها فإن اكترى فليظهر للمكاري كل ما يريد أن يحمله من قليل أو كثير ويحصل رضاه فيه الثانية في الرفيق‏:‏ ينبغي أن يلتمس رفيقاً صالحاً محباً للخير معيناً عليه إن نسي ذكره وإن ذكر أعانه وإن جبن شجعه وإن عجز قواه وإن ضاق صدره صبره‏.‏
ويودع رفقاءه المقيمين وإخوانه وجيرانه فيودعهم ويلتمس أدعيتهم فإن الله تعالى جاعل في أدعيتهم خيراً.‏
وليعظم في نفسه قدر البيت وقدر رب البيت وليعلم أنه عزم على أمر رفيع شأنه خطير أمره وأن من طلب عظيماً خاطر بعظيم‏.‏
وليجعل عزمه خالصاً لوجه الله سبحانه بعيداً عن شوائب الرياء والسمعة ‏"‏ وليتحقق أنه لا يقبل من قصده وعمله إلا الخالص وإن من أفحش الفواحش أن يقصد بيت الله وحرمه والمقصود غيره‏.‏
فليصحح مع نفسه العزم وتصحيحه بإخلاصه وإخلاصه باجتناب كل ما فيه رياء وسمعة فليحذر أن يستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير‏.‏
وأما قطع العلائق‏:‏ فمعناه رد المظالم والتوبة الخالصة لله تعالى عن جملة المعاصي مظلمة علاقة وكل علاقة مثل غريم حاضر متعلق بتلابيبه ينادي عليه ويقول إلى أين تتوجه أتقصد بيت ملك الملوك وأنت مضيع أمره في منزلك هذا ومستهين به ومهمل له أولا تستحي أن تقدم عليه قدوم العبد العاصي فيردك ولا يقبلك فإن كنت راغباً في قبول زيارتك فنفذ أوامره ورد المظالم وتب إليه أولاً من جميع المعاصي واقطع علاقة قلبك عن الالتفات إلى ما وراءك لتكون متوجهاً إليه بوجه قلبك كما أنك متوجه إلى بيته بوجه ظاهرك‏.‏
فإن لم تفعل ذلك لم يكن لك من سفرك
أولاً إلا النصب والشقاء وآخراً إلا الطرد والرد‏.‏
وليقطع العلائق عن وطنه انقطع من قطع عنه وقدر أن لا يعود إليه وليكتب وصيته لأولاده وأهله فإن المسافر وماله لعلى خطر إلا من وقى الله سبحانه‏.‏
وليتذكر عند قطعه العلائق لسفر الحج قطع العلائق لسفر الآخرة فإن ذلك بين يديه
على القرب وما يقدمه من هذا السفر طمع في تيسير ذلك السفر فهو المستقر وإليه المصير‏.‏
فلا ينبغي أن يغفل عن ذلك السفر عند الاستعداد بهذا السفر‏.‏
وأما الزاد‏:‏ فليطلبه من موضع حلال وإذا أحس من نفسه الحرص على استكثاره وطلب ما يبقى منه على طول السفر ولا يتغير ولا يفسد قبل بلوغ المقصد فليتذكر أن سفر الآخرة أطول من هذا السفر وأن زاده التقوى وأن ما عداه مما يظن أنه زاده يتخلف عنه عند الموت ويخونه فلا يبقى معه كالطعام الرطب الذي فيسد في أول منازل السفر فيبقى وقت الحاجة متحير محتاجاً لا حيلة له‏.‏
فليحذر أن تكون أعماله التي هي زاده إلى الآخرة لا تصحبه بعد الموت بل يفسدها شوائب الرياء وكدورات التقصير‏.‏
وأما الراحلة‏:‏ إذا أحضرها فليشكر الله بقلبه على تسخير الله عز وجل له الدواب لتحمل عنه الأذى وتخفف عنه المشقة‏.‏
وليتذكر عنده المركب الذي يركبه إلى دار الآخرة وهي الجنازة التي يحمل عليها‏.‏
فإن أمر الحج من وجه يوازي أمر السفر إلى الآخرة ولينظر أيصلح سفره على هذا المركب لأن يكون زاداً له لذلك السفر على ذلك المركب فما أقرب ذلك منه‏.‏
وما يدريه لعل الموت قريب ويكون ركوبه للجنازة قبل ركوبه للجمل‏.‏
وركوب الجنازة مقطوع به وتيسر أسباب السفر مشكوك فيه فكيف يحتاط في أسباب السفر المشكوك فيه ويستظهر في زاده وراحلته وأما شراء ثوبي الإحرام‏:‏ فليتذكر عنده الكفن ولفه فيه فإنه سيرتدي ويتزر بثوبي الإحرام عند القرب من بيت الله عز وجل وربما لا يتم سفره إليه‏.‏
وأنه سيلقى الله عز وجل ملفوفاً في ثياب الكفن لا محالة‏.‏
فكما لا يلقى بيت الله عز وجل إلا مخالفاً عادته في الزي والهيئة فلا يلقى الله عز وجل بعد الموت إلا في زي مخالف لزيا لدنيا‏.‏
وهذا الثوب قريب من ذلك الثوب إذ ليس فيه مخيط كما في الكفن‏.‏
وأما الخروج من البلد‏:‏ فليعلم عنده أنه فارق الأهل والوطن متوجهاً إلى الله عز وجل في سفر لا يضاهي أسفار الدنيا‏.‏
فليحضر في قلبه أنه ماذا يريد وأين يتوجه وزيارة من يقصد وأنه متوجه إلى ملك الملوك في زمرة الزائرين له الذين نودوا فأجابوا وشوقوا فاشتاقوا واستنهضوا فنهضوا وقطعوا العلائق وفارقوا الخلائق واقبلوا على بيت الله عز وجل الذي فخم أمره وعظم شأنه ورفع قدره تسلياً بلقاء البيت عن لقاء رب البيت إلى أن يرزقوا منتهى مناهم ويسعدوا بالنظر إلى مولاهم‏.‏
وليحضر في قلبه رجاء الوصول والقبول لا إدلالاً بأعماله في الارتحال ومفارقة الأهل والمال ولكن ثقة بفضل الله عز وجل وافداً إليه إذ قال جل جلاله ‏"‏ ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله ‏"‏‏.‏
وأما دخول البادية إلى الميقات ومشاهدة تلك العقبات‏:‏ فليتذكر فيها ما بين الخروج من الدنيا بالموت إلى ميقات يوم القيامة وما بينهما من الأهوال والمطالبات‏.‏
وليتذكر من هول قطاع الطريق هول سؤال منكر ونكير ومن سباع البوادي عقارب القبر وديدانه وما فيه من الأفاعي والحيات ومن انفراده من أهله وأقاربه وحشة القبر وكربته ووحدته‏.‏
وليكن في هذه المخاوف في أعماله وأقواله متزوداً لمخاوف القبر‏.‏
وأما الإحرام والتلبية من الميقات‏:‏ فليعلم أن معناه إجابة نداء الله عز وجل فارج أن تكون مقبولاً واخش أن يقال لك لا لبيك ولا سعديك فكن بين الرجاء والخوف متردداً وعن حولك وقوتك متبرئاً وعلى فضل الله عز وجل وكرمه متكلاً‏.‏
فإن وقت التلبية هو بداية الأمر وهي محل الخطر‏.‏
قال سفيان بن عيينة‏:‏ حج علي ابن الحسين رضي الله عنهما فلما أحرم واستوت به راحلته اصفر لونه وانتفض ووقعت عليه الرعدة ولم يستطع أن يلبي فقيل له‏:‏ لم لا تلبي فقال‏:‏ أخشى أن يقال لي لا لبيك ولا سعديك‏.‏
فلما لبى غشي عليه ووقع عن راحلته فلم يزل يعتريه ذلك حتى قضى حجه
وليتذكر الملبي عند رفع الصوت بالتلبية في الميقات إجابته لنداء الله عز وجل إذ قال ‏"‏ وأذن في الناس بالحج ‏"‏ ونداء الخلق بنفخ الصور وحشرهم من القبور وازدحامهم في عرصات القيامة مجيبين لنداء الله سبحانه ومنقسمين إلى مقربين وممقوتين‏ومقبولين ومردودين
مترددين في أول الأمر بين الخوف والرجاء تردد الحاج في الميقات حيث لا يدرون أيتيسر لهم إتمام الحج وقبوله أم لا وأما دخول مكة‏:‏ فليتذكر عندها أنه قد انتهى إلى حرم الله تعالى آمناً وليرج عنده أن يأمن بدخوله من عقاب الله عز وجل وليخش أن لا يكون أهلاً للقرب فيكون بدخوله الحرم خائباً ومستحقاً للمقت‏.‏
وليكن رجاؤه في جميع الأوقات غالباً فالكرم عميم والرب رحيم وشرف البيت عظيم وحق الزائر مرعي وذمام المستجير اللائذ غير مضيع‏.‏
وأما وقوع البصر على البيت‏:‏ فينبغي أن يحضر عنده عظمة البيت في القلب ويقدر كأنه مشاهد لرب البيت لشدة تعظيمه إياه‏.‏
وارج أن يرزقك الله تعالى النظر إلى وجهه الكريم كما رزقك الله النظر إلى بيته العظيم‏.‏
واشكر الله تعالى على تبليغه إياك هذه الرتبة وإلحاقه إياك بزمرة الوافدين عليه‏.‏
واذكر عند ذلك انصباب الناس في القيامة إلى جهة الجنة آملين لدخولها كافة ثم انقسامهم إلى مأذونين في الدخول ومصروفين انقسام الحاج إلى مقبولين ومردودين‏.‏
ولا وأما الطواف بالبيت‏:‏ فاعلم أنه صلاة فأحضر في قلبك فيه من التعظيم والخوف والرجاء والمحبة
واعلم أنك بالطواف متشبه بالملائكة المقربين الحافين حول العرش الطائفين حوله‏.‏
ولا تظنن أن المقصود طواف جسمك بالبيت بل المقصود طواف قلبك بذكر رب البيت حتى لا تبتدىء الذكر إلا منه ولا تختم إلا به كما تبتدىء الطواف من البيت وتختم بالبيت‏.‏
واعلم أن الطواف الشريف هو طواف القلب بحضرة الربوبية‏.‏
وأن عالم الملك والشهادة مدركة إلى عالم الغيب والملكوت لمن فتح الله له الباب وإلى هذه الموازنة وقعت الإشارة بأن البيت المعمور في السموات بإزاء الكعبة‏.‏
فإن طواف الملائكة به كطواف الأنس بهذا البيت‏.‏
ولما قصرت رتبة أكثر الخلق عن مثل ذلك الطواف أمروا بالتشبه بهم بحسب الإمكان
وأما الاستلام‏:‏ فاعتقد عنده أنك مبايع لله عز وجل على طاعته فصمم عزيمتك على الوفاء ببيعتك فمن عذر في المبايعة استحق المقت‏.‏
وقد روى ابن عباس رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ‏"‏ الحجر الأسود يمين الله عز وجل في الأرض يصافح بها خلقه كما يصافح الرجل أخاه ‏"‏‏.‏
وأما التعلق بأستار الكعبة والالتصاق بالملتزم‏:‏ فلتكن نيتك في الالتزام طلب القرب حباً وشوقاً للبيت ولرب البيت وتبركاً بالمماسة ورجاء للتحصن عن النار في كل جزء من بدنك لا في البيت‏.‏
ولتكن نيتك في التعلق بالستر الإلحاح في طلب المغفرة وسؤال الأمان كالمذنب المتعلق بثياب من أذنب إليه المتضرع إليه في عفوه عنه المظهر له أنه لا ملجأ له منه إلا إليه ولا مفزع له إلا كرمه وعفوه وأنه لا يفارق ذيله إلا بالعفو وبذل الأمن في المستقبل‏.‏
وأما السعي بين الصفا والمروة في فناء البيت‏:‏ فإنه يضاهي تردد العبد بفناء دار الملك جائياً وذاهباً مرة بعد أخرى إظهاراً للخلوص في الخدمة ورجاء للملاحظة بعين الرحمة كالذي دخل على الملك وخرج وهو لا يدري ما الذي يقضي به الملك في حقه من قبول أو رد فلا يزال يتردد على فناء الدار مرة بعد أخرى يرجو أن يرحم في الثانية إن لم يرحم في الأولى‏.‏
وليتذكر عند تردده بين الصفا والمروة تردده بين كفتي الميزان في عرصات القيامة وليمثل الصفا بكفة الحسنات والمروة بكفة السيئات‏.‏
وليتذكر تردده بين الكفتين ناظراً إلى الرجحان والنقصان متردداً بين العذاب والغفران‏.‏
وأما الوقوف بعرفة‏:‏ فاذكر - بما ترى من ازدحام الخلق وارتفاع الأصوات واختلاف اللغات واتباع الفرق أئمتهم في الترددات على المشاعر اقتفاء لهم وسيراً بسيرهم - عرصات القيامة واجتماع الأمم مع الأنبياء والأئمة واقتفاء كل أمة نبيها وطمعهم في شفاعتهم وتحيرهم في ذلك الصعيد الواحد بين الرد والقبول‏.‏
وإذا تذكرت ذلك فألزم قلبك الضراعة والابتهال إلى الله عز وجل فتحشر في زمرة الفائزين المرحومين وحقق رجاءك بالإجابة فالموقف شريف والرحمة إنما تصل من حضرة الجلال إلى كافة الخلق َعَنْ عَائِشَةَرضى الله عنها أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، قَالَ : « ما مِنْ يَوْمٍ أَكثَرَ مِنْ أنْ يعْتِقَ اللَّه فِيهِ عبْداً مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ » . رواهُ مسلمٌ .
فإذا اجتمعت هممهم وتجردت للضراعة والابتهال قلوبهم وارتفعت إلى الله سبحانه أيديهم وامتدت إلى أعناقهم وشخصت نحو السماء أبصارهم مجتمعين بهمة واحدة على طلب الرحمة فلا تظنن أنه يخيب أملهم ويضيع سعيهم ويدخر عنهم رحمة تغمرهم‏.‏
ولذلك قيل‏:‏ إن من أعظم الذنوب أن يحضر عرفات ويظن أن الله تعالى لم يغفر له‏.‏
وأما رمي الجمار‏:‏ فاقصد به الانقياد للأمر إظهاراً للرق والعبودية وانتهاضاً لمجرد الامتثال من غير حظ للعقل والنفس فيه‏.‏
ثم اقصد به التشبه بإبراهيم عليه السلام حيث عرض له إبليس لعنه الله تعالى في ذلك الموضع ليدخل على حجه شبهة أو يفتنه بمعصية فأمره الله عز وجل أن يرميه بالحجارة طرداً له وقطعاً لأمله‏.‏
فإن خطر لك‏:‏ أن الشيطان عرض له وشاهده فلذلك رماه وأما أنا فليس يعرض لي الشيطان فاعلم أن هذا الخاطر من الشيطان وأنه الذي ألقاه في
قلبك ليفتر عزمك في الرمي ويخيل إليك أنه فعل لا فائدة فيه وأنه يضاهي اللعب فلم تشغل به فاطرده عن نفسك بالجد والتشمير في الرمي فيه برغم أنف الشيطان‏.‏
واعلم أنك في الظاهر ترمي الحصى إلى العقبة وفي الحقيقة ترمي به وجه الشيطان وتقصم به ظهره إذ لا يحصل إرغام أنفه إلا بامتثالك أمر الله سبحانه وتعالى تعظيماً له بمجرد الأمر من غير حظ للنفس والعقل فيه‏.‏
وأما ذبح الهدي‏:‏ فاعلم أنه تقرب إلى الله تعالى بحكم الامتثال فأكمل الهدي وارج أن يعتق الله بكل جزء منه جزءاً منك من النار فهكذا ورد الوعد‏.‏
فكلما كان الهدي أكبر وأجزاؤه أوفر كان فداؤك من النار أعم
فإذا فرغ منها كلها فينبغي أن يلزم قلبه الحزن والهم والخوف وأنه ليس يدري أقبل منه حجه وأثبت في زمرة المحبوبين أم رد حجه وألحق بالمطرودين وليتعرف ذلك من قلبه وأعماله فإن صادف قلبه قد ازداد تجافياً عن دار الغرور وانصرافاً إلى دار الأنس بالله تعالى ووجد أعماله قد اتزنت بميزان الشرع فليثق بالقبول فإن الله تعالى لا يقبل إلا من أحبه ومن أحبه تولاه وأظهر عليه آثار محبته وكف عنه سطوة عدوه إبليس لعنه الله‏.‏
فإذا ظهر ذلك عليه دل على القبول وإن كان الأمر بخلافه فليوشك أن يكون حظه من سفره‏:‏ العناء والتعب نعوذ بالله سبحانه وتعالى من ذلك‏.‏

الدعاء المأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن السلف في يوم عرفة
أول ما يدعو به فليقل ‏"‏ لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير اللهم اجعل في قلبي نوراً وفي سمعي نوراً وفي بصري نوراً وفي لساني نوراً‏.‏ أخرجه الترمذي من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده
وله من حديث علي قال "أكثر ما دعا به رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية عرفة في الموقف اللهم لك الحمد كالذي تقول وخيرا مما نقول لك صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي وإليك مآبي ولك رب ترائي اللهم إني أعوذ بك من شر ما تجيء به الريح" وقال ليس بالقوي إسناده وروى المستغفري في الدعوات من حديثه "يا علي إن أكثر دعاء من قبلي يوم عرفة أن أقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير اللهم اجعل في صدري نورا وفي سمعي نورا وفي قلبي نورا اللهم اشرح لي صدري ويسر لي أمري اللهم إني أعوذ بك من وسواس الصدر وشتات الأمر وفتنة القبر وشر ما يلج في الليل وشر ما يلج في النهار وشر ما تهب به الرياح ومن شر بوائق الدهر" وإسناده ضعيف،
وروى الطبراني في المعجم الصغير من حديث ابن عباس قال "كان مما دعا به رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية عرفة: اللهم إنك ترى مكاني وتسمع كلامي وتعلم سري وعلانيتي ولا يخفى عليك شيء من أمري أنا البائس الفقير اللهم إنك تسمع كلامي وترى مكاني وتعلم سري وعلانيتي ولا يخفى عليك شيء من أمري أنا البائس الفقير المستغيث المستجير الوجل المشفق المعترف بذنبه أسألك مسئلة المسكين وأبتهل إليك ابتهال المذنب الذليل وأدعوك دعاء الخائف الضرير دعاء من خضعت لك رقبته وفاضت لك عبرته وذل لك جسده ورغم لك أنفه‏يا خير المسئولين ويا خير المعطين " وإسناده ضعيف وصح فى غير هذا الموقف
من دعاء بعض السلف في بعضه ما هو مرفوع ولكن ليس مقيدا بموقف عرفة
.اللهم اهدني بالهدى واغفر لي في الآخرة والأولى يا خير مقصود وأسنى منزول به وأكرم مسئول ما لديه أعطني العشية أفضل ما أعطيت أحداً من خلقك وحجاج بيتك يا أرحم الراحمين‏.‏
اللهم يا رفيع الدرجات ومنزل البركات ويا فاطر الأرضين والسموات ضجت إليك الأصوات بصنوف اللغات يسألونك الحاجات وحاجتي إليك أن لا تنساني في دار البلاء إذا نسيني أهل الدنيا‏.‏
اللهم لا تجعلني بدعائك رب شقياً وكن بي رءوفاً رحيماً يا خير المسئولين وأكرم المعطين إلهي من مدح لك نفسه فإني لائم نفسي‏.‏
إلهي أخرست المعاصي لساني فمالي وسيلة عن عمل ولا شفيع سوى الأمل‏.‏
إلهي إني أعلم أن ذنوبي لم تبق لي عندك جاهاً ولا للاعتذار وجهاً ولكنك أكرم الأكرمين‏.‏
إلهي إن لم أكن أهلاً أن أبلغ رحمتك فإن رحمتك أهل أن تبلغني ورحمتك وسعت كل شيء وأنا شيء إلهي إن ذنوبي وإن كانت عظاماً ولكنها صغار في جنب عفوك فاغفرها لي يا كريم إلهي أنت أنت وأنا أنا أنا العواد إلى الذنوب وأنت العواد إلى المغفرة‏.‏
إليه إن كنت لا ترحم إلا أهل طاعتك فإلى من يفزع المذنبون‏.‏
إلهي تجنبت عن طاعتك عمداً وتوجهت إلى معصيتك قصداً فسبحانك ما أعظم حجتك علي وأكرم عفوك عني فبوجوب حجتك علي وانقطاع حجتي عنك وفقري إليك وغناك عني إلا غفرت لي يا خير من دعاه داع وأفضل من رجاه راج بحرمة الإسلام وبذمة محمد عليه السلام أتوسل إليك فاغفر لي جميع ذنوبي واصرفني من موقفي هذا مقضي الحوائج وهب لي ما سالت وحقق رجائي فيما تمنيت‏.‏
إلهي دعوتك بالدعاء الذي علمتنيه فلا تحرمني الرجاء الذي عرفتنيه إلهي ما أنت صانع العشية بعبد مقر لك بذنبه خاشع لك بذلته مستكين بجرمه متضرع إليك من عمله تائب إليك من اقترافه مستغفر لك من ظلمه مبتهل إليك في العفو عنه طالب إليك نجاح حوائجه راج إليك في موقفه مع كثرة ذنوبه فيا ملجأ كل حي وولي كل مؤم من أحسن فبرحمتك يفوز ومن أخطأ فبخطيئته يهلك‏.‏
اللهم إليك خرجنا وبفنائك أنخنا وإياك أملنا وما عندك طلبنا ولإحسانك تعرضنا ورحمتك رجونا ومن عذابك أشفقنا وإليك بأثقال الذنوب هربنا ولبيتك الحرام حججنا يا من يملك حوائح السائلين ويعلم ضمائر الصامتين يا من ليس معه رب يدعى ويا من ليس فوقه خالق يخشى ويا من ليس له وزير يؤتى ولا حاجب يرشى يا من لا يزداد على كثرة السؤال إلا جوداً وكرماً وعلى كثرة الحوائج إلا تفضلاً وإحساناً‏.‏
اللهم إنك جعلت لكل ضيف قرى ونحن أضيافك فاجعل قرانا منك الجنة‏.‏
اللهم إن لكل وفد جائزة ولكل زائر كرامة ولكل سائل عطية ولكل راج ثواباً ولكل ملتمس لما عندك جزاء ولكل مسترحم عندك رحمة ولكل راغب إليك زلفى ولكل متوسل إليك عفواً وقد وفدنا إلى بيتك الحرام ووقفنا بهذه المشاعر العظام وشهدنا هذه المشاهد الكرام رجاء لما عندك فلا تخيب رجاءنا‏.‏
إلهنا إنك قلت في كتابك المبين لمحمد خاتم النبيين ‏"‏ قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف ‏"‏ فأرضاك عنهم الإقرار بكلمة التوحيد بعد الجحود وإنا نشهد لك بالتوحيد مخبتين ولمحمد بالرسالة مخلصين فاغفر لنا بهذه الشهادة سوالف الإجرام ولا تجعل حظنا فيه أنقص من حظ من دخل في الإسلام‏.‏
إلهنا إنك أحببت التقرب إليك بعتق ما ملكت أيماننا ونحن عبيدك وأنت أولى بالتفضل فأعتقنا‏.‏
وإنك أمرتنا أن نتصدق على فقرائنا ونحن فقراؤك وأنت أحق بالتصدق فتصدق علينا‏.‏
ووصيتنا بالعفو عمن ظلمنا وقد ظلمنا أنفسنا وأنت أحق بالكرم فاعف عنا‏.‏
ربنا اغفر لنا وارحمنا أنت مولانا ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا برحمتك عذاب النار ‏"‏ وليكثر من دعاء الخضر عليه السلام وهو أن يقول ‏"‏ يا من لا يشغله شأن عن شأن ولا سمع عن سمع ولا تشتبه عليه الأصوات يا من لا تغلطه المسائل ولا تختلف عليه اللغات يا من لا يبرمه إلحاح الملحين ولا تضجره مسئلة السائلين أذقنا برد عفوك وحلاوة
مناجاتك ‏"‏ وليدع بما بدا له وليستغفر له ولوالديه ولجميع المؤمنين والمؤمنات وليلح في الدعاء وليعظم المسألة فإن الله لا يتعاظمه شيء وقال مطرف بن عبد الله وهو بعرفة‏:‏ اللهم لا ترد الجميع من أجلي‏.‏
وقال بكر المزني‏:‏ قال رجل لما نظرت إلى أهل عرفات ظننت أنهم قد غفر لهم لولا أني كنت فيهم‏.‏


الثلاثاء، 18 نوفمبر 2008

تاريخ بناء الكعبة

تاريخ بناء الكعبة
بسم الله الرحمن الرحيم .السلام عليكم ورحمته الله وبركاته .إليكم موضوع خاص عن بناء الكعبة على مر التاريخ .. تاريخ بناء الكعبة بالترتيب واعلم أن الكعبة بنيت في الدهر خمس مرات
إحداهن: بناء الملائكة، وآدم وشيث
. الثانية: بناء إبراهيم. في عهد نبي الله إبراهيم وولده إسماعيل - عليهما السلام - حين أمره الله سبحانه وتعالى بأن يسكن مكة هو وأهله ، وكانت مكة في ذلك الوقت جدباء قاحلة .وبعد الاستقرار في مكة وبلوغ إسماعيل - عليه السلام - أذن الله تعالى لهما ببناء الكعبة ، ورفع قواعدها ، يقول الله تعالى : { وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا } ( البقرة127) ، فجعل إسماعيل - عليه السلام - يأتي بالحجارة و إبراهيم يبني ، وارتفع البيت شيئا فشيئا ، حتى أصبح عاليا لا تصل إليه الأيدي ، عندها جاء إسماعيل - عليه السلام - بحجر ليصعد عليه أبوه ويكمل عمله ، واستمرا على ذلك وهما يقولان : { ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم} ( البقرة127) حتى تم البناء واستوى.ثم استقرت بعض القبائل العربية في مكة من "العماليق" و"جرهم" ، وتصدع بناء الكعبة أكثر من مرة نتيجة لكثرة السيول والعوامل المؤثرة في البناء ، وكان أفراد تلك القبيلتين يتولون إصلاحها ، ورعايتها.
الثالثة: بناء قريـش .وذلك قبل البعثة بخمس سنين ، وكان بناء الكعبة آنذاك على هيئة حجارة منضودة موضوعة بعضها فوق بعض من غير طين ، مما جعل السيول التي تجتاح مكة بين الحين والآخر تؤثر على متانة الكعبة فأوهت بنيانها ، وصدعت جدرانها ، حتى كادت أن تنهار ، فقررت قريش إعادة بناء الكعبة بناء متينا يصمد أمام السيول ، ولما أجمعوا أمرهم على ذلك وقف فيهم أبو وهب بن عمرو فقال : " يا معشر قريش ، لاتدخلوا في بنائها من كسبكم إلا طيبا ، لايدخل فيها مهر بغي ، ولا بيع ربا ، ولا مظلمة أحد من الناس" لكن قريشا تهيبت من هدم الكعبة ، وخشيت أن يحل عليهم بذلك سخط الله ، فقال لهم الوليد بن المغيرة : - أنا أبدؤكم في هدمها، فأخذ المعول وبدأ بالهدم وهو يقول : اللهم لم نزغ ، ولا نريد إلا الخير ، فهدم من ناحية الركنين ، فترقب الناس ليلتهم ليروا هل أصاب المغيرة شر بسبب ما فعل ؟ فلما رأوه يغدو عليهم لا بأس به ، قامو إلى الكعبة فأكملوا هدمها ، حتى لم يبق منها إلا أساس إبراهيم - عليه السلام - .ثم تلى ذلك مرحلة البناء ، فتم تقسيم العمل بين القبائل ، وتولت كل واحدة منها ناحية من نواحي الكعبة ، فجعلوا يبنونها بحجارة الوادي، ولما بلغ البنيان موضع الحجر الأسود دبَ الشقاق بين قبائل قريش ، فكل يريد أن ينال شرف رفع الحجر إلى موضعه ، وكادوا أن يقتتلوا فيما بينهم ، حتى جاء أبو أمية بن المغيرة المخزومي فاقترح عليهم أن يحكّموا فيما اختلفوا فيه أول من يدخل عليهم من باب المسجد الحرام ، فوافقوا على اقتراحه وانتظروا أول قادم ، فإذا هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما إن رأوه حتى هتفوا : هذا الأمين ، رضينا ، هذا محمد ، وما إن انتهى إليهم حتى أخبروه الخبر فقال : ( هلمّ إلي ثوبا ) فأتوه به فوضع الحجر في وسطه ثم قال : ( لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب ثم ارفعوه جميعا ) ففعلوا ، فلما بلغوا به موضعه ، أخذه بيده الشريفة ووضعه في مكانه.
ولما كانت قريش قد عزمت على بناء الكعبة من حلال أموالها ، فقد جمعت لهذا الأمر ما استطاعت ، إلا أن النفقة قد قصرت بهم عن إتمام بناء الكعبة بالمال الحلال الخالص ، ولهذا أخرجوا الحِْجر ( الحطيم ) من البناء ، ووضعوا علامة تدل على أنه من الكعبة ، وقد ثبت في الصحيحين أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لعائشة - رضي الله عنها : ( ألم تري أن قومك قصرت بهم النفقة ؟ ولولا حدثان قومك بكفر لنقضت الكعبة ، وجعلت لها بابا شرقيا وبابا غربيا ، وأدخلت فيها الحجر ) .
وأرادوا تعليتها، وكان بابها لاصـقا بالأرض في عهـد إبراهيم وعهـد جرهم، إلى أن بنتـها قريش، فـقال أبو حـذيفة بن المغـيرة: يا قوم: ارفعوا باب الكعبة حتى لا يدخلها أحد إلا بسلم، فإنه لا يدخلها حينئـذ إلا من أردتم، فإن جاء أحد ممن تكرهونه رميتم به فسقط، وصار نكالا لمن يراه. فرفعت بابها وجعلت لهـا سقـفا، ولم يكن لهـا سقف، وزادت ارتفاعها كما تقدم، وكان عمر النبي صلى الله عليه وسلم إذ ذاك خمسا وعـشرين سنة، وقيل: خمسا وثـلاثين، فحضر البناء، وكـان ينقـل الحـجـارة مـعـهم كـمـا ثبت في الصحيح، وتنافـست قريش فيمن يضع الحـجر الأسود موضعه من الركن، ثم رضوا بأن يضعه النبي صلى الله عليه وسلم .
الرابعة: بناء عبـد الله بن الزبير، والسـبب في ذلك على ما ذكر السـهيلي أن امرأة أرادت أن تجمـر الكعبة، فطارت شـررة من المجمـرة في أستارها فـاحتـرقت، وقيل: طارت شررة من أبي قبيس فوقعت في أستار الكعـبة فاحـترقت، فـشاور ابن الزبـير من حضـره في هدمهـا فهـابوا ذلك، وقالوا: نرى أن يصلح ما وهى منها ولا تهـدم. فقـال: لو أن بيت أحدكم احـترق لم يرض له إلا بأكمل إصـلاح، ولا يكمل إصلاحـها إلا بهدمـها، فـهدمـها حتـى أفضي إلى قواعـد إبراهيم، فأمرهم أن يزيدوا في الحفر، فحـركوا حجرا منها فرأوا لجته نارا وهولا أفزعهم، فبنوا على القواعد. وفي الخـبر أنه سترها وقت حفـر القواعد، فطاف الناس بتلك السـتارة، ولم تخل من طائف، حـتى لقد ذكر أن يوم قتل ابن الزبير اشـتد الحرب، وشغل الناس حـينئذ، فلم ير طائف يـطوف بها إلا جـمل! ثم بناها وألصق بابهـا بالأرض وعـمل لهـا خلفـا، أي بابا من ورائها، وأدخل الحـجر فـيها، وذلك أن خـالته عـائشة رضي الله عنها حدثته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ألم تر أن قـومك قـصرت بهم النـفقـة حـين بنو الكعـبة، فاقـتصروا على قـواعد إبراهيم ثم قـال: لولا حدثان قومك بالجاهلية لهدمتـها، وجعلت خلفا، وألصقت بابها بالأرض وأدخلت فيها الحجر فقال ابن الزبير: فليس بنا عجز عن النفقة، فبناها على مقتضى حديث عائشة.
الخامس: الموجود الآن والذي هدمه الحجاج هو الزيادة وحدها، وأعاد الركنين، وسد البـاب الذي فتحه ابن الزبير، وسده بين إلى الآن، وجـعل في الحجر من البيت دون سـبعة أذرع، وعلامة ذلك فـي داخل الحجر لوحان مرمر منقوشان متقابلان في الحجر، وصار عرض وجهها - وهو الذي فيه الباب - أربعة وعشرين ذراعا.
وأراد عبدالملك أن يعيدها على ما بناه ابن الزبير ، فاستشار الإمام مالك في ذلك ، فنهاه خشية أن تذهب هيبة البيت ، ويأتي كل ملك وينقض فعل من سبقه ، ويستبيح حرمة البيت

الاثنين، 17 نوفمبر 2008

علو الهمة

علو الهمة

مقدمة
الهمة: هي الباعث على الفعل، وتوصف بعلو أو سفول..
قال أحد الصالحين: همتك فاحفظها، فإن الهمة مقدمة الأشياء، فمن صلحت له همته وصدق فيها، صلح له ما وراء ذلك من الأعمال
الهمة محلها القلب
الهمة عمل قلبي، والقلب لا سلطان عليه لغير صاحبه، وكما أن الطائر يطير بجناحيه، كذلك يطير المرء بهمته، فتحلق به إلى أعلى الآفاق، طليقةًً من القيود التي تكبل الأجساد..
إن يَسْلُب القوم العِدا مُلْكِي وتُسْلِمني الجموعْ
فالقلب بين ضُلُوعِهِ لم تُسْلِمِ القلبَ الضلوعْ
ونقل ابن قتيبة عن بعض كتب الحكمة :
" ذو الهمة إن حُطَّ، فنفسه تأبى إلا عُلُوّاً، كالشعلة ِ من النار يُصَوِّبُها صاحبها، وتأبى إلا ارتفاعا "
الحث على علو الهمة في القرآن والسنة
تواردت نصوص القرآن والسنة على حث المؤمنين على ارتياد معالي الأمور ، والتسابق في الخيرات ، وتحذيرهم من سقوط الهمة ، وتنوعت أساليب القرآن في ذلك ..
فمنها: ذم ساقطي الهمة وتصويرهم في أبشع صورة :
( واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون )
ومنها: ثناؤه سبحانه على أصحاب الهمم العالية وفي طليعتهم الأنبياء والمرسلون
وفي مقدمتهم أولو العزم من الرسل وعلى رأسهم خاتمهم محمد  ..
( فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل )
ومنها : أنه عبر سبحانه عن أوليائه الذين كبرت همتهم بوصف الرجال في مواطن البأس والجلد والعزيمة والثبات على الطاعة ، والقوة في دين الله
( فيه رجال يحبون أن يطهروا والله يحب المطهرين )
( يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله و إقام الصلاة وإيتاء الزكاة )
( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا )
ومنها : أنه سبحانه أمر المؤمنين بالهمة العالية ، والتنافس في الخيرات ..
( فاستبقوا الخيرات )
أما السنة الشريفة فمليئة بالكثير من الصور ..
قال  : ( إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها، فليغرسها )
وقال  لأصحابه : ( إن الله تعالى يحب معالي الأمور ، ويكره سفاسفها )
وقال  يوصي أصحابه: ( إذا سأل أحدكم فليكثر، فإنما يسأل ربه عز وجل )
وقال  : ( إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس ..فإنه أوسط الجنة ، وأعلى الجنة ، وفوقه عرش الرحمن ، ومنه تفجر أنهار الجنة )
همَّة المؤمن أبلغ من عمله
وقال  :" من همَّ بحسنة، فلم يعملها، كتبها الله عنده حسنة كاملة " رواه البخاري
وقال  : " من سأل الله الشهادة بصدقٍ، بلَّغه الله منازل الشهداء، وإن مات على فراشه " رواه مسلم وغيره
وقال  فيمن تجهز للجهاد، ثم أدركه الموت: " قد أوقع الله أجره على قدر نيته " رواه الإمام أحمد وغيره
وقال  : " ما من امرئٍ تكون له صلاة بليل، فغلبه عليها نوم ، إلا كُتب له أجر صلاته، وكان نومه صدقةً عليه " رواه النسائي وأبو داود
وقد يتفوق المؤمن بهمته العالية كما بيَّن ذلك الصادق المصدوق  في قوله:
" سبق درهم مائة ألف "، قالوا: يا رسول الله ، كيف يسبق درهم مائة ألف ؟! ،
قال:" رجل كان له درهمان ، فأخذ أحدهما ، فتصدق به ، وآخر له مال كثير ،
فأخذ من عَرْضها مائة ألف "رواه أحمد وغيره
نماذج من علو الهمة
إذا تأملت أخي سيرة النبي المصطفى- صلى الله عليه وسلم- والصحب والتابعين الكرام، فإنك ولا شك سترى الهمة العالية في أبهى صورها، والأهداف السامية التي كانوا يسعون لتحقيقها، وهي ليست أمانيَ دون عمل، بل لحق بتلك الأماني العمل الدؤوب والجهد المتواصل؛ حتى وصل الواحد منهم لمراده، وتأمل ماذا طلب ربيعة بن كعب، وماذا أراد أبو هريرة، وما حقَّقه ابن عباس..!!
هي قمم يطلبها الإنسان بقلبه ولسانه وعمله، ودون ذلك يكون قد غرق في الأحلام وغطاه بحر الأماني
على قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارم
وتعظم في عين الصغير صغارها وتصغر في عين العظيم العظائم

أهمية علو الهمة
كل شيءٍ يحتاج إلى همة لإنجازه، وعلى قدر عِظَم هذا الشيء تعظُم الهمة المطلوبة لتحقيقه.. يقول ممشاد الدينوري: "همتك فاحفظها؛ فإن الهمة مقدمة الأشياء، فمن صلحت له همته وصدق فيها صلح له ما وراء ذلك من الأعمال".. ويقول الإمام ابن القيم: "لا بد للسالك من همَّة تسيِّره وترقِّيه، وعلم يبصِّره ويهديه".
وتتجلى أهمية التحلي بهذه الصفة الجليلة فيما يلي:
1- تحقيق كثير من الأمور مما يعده عامة الناس خيالاً أو يستصعبون تحقيقه، ومن ذلك أن الرسول- صلى الله عليه وسلم- يبني أعظم أمة أخرجت للناس، ويربي جيلاً قرآنيًّا فريدًا خلال 23 سنة، وأبو بكر الصديق في أقل من سنتين يُنهي فتنة المرتدين، ويُرجع الجزيرة إلى حظيرة الإسلام، ولم يمُت- رضي الله عنه- إلا وجيوشه تحاصر الروم.
وهذا أبوحاتم- رحمه الله- يقول: ذهبنا إلى عبد الله بن مسلمة- من علماء القرن الثاني- فسألناه أن يقرأ علينا الموطأ، فقال: تعالوا بالغداة، فقلنا: لنا مجلس عند حجاج بن منهال.. فقال: فإذا فرغتم.. قلنا: نأتي مسلم بن إبراهيم.. قال: فإذا فرغتم.. قلنا: نأتي أبا حذيقة النهدي.. قال: فبعد العصر.. قلنا: نأتي عارم أبا النعمان.. قال: فبعد المغرب.. فكان يأتينا بالليل.
إن الإنسان العادي يستصعب تلك الأعمال، بل البعض يجعلها من المستحيلات، لكن صاحب الهمة العالية المرتبطة بهدف نبيل وغاية عزيزة له نظرة أخرى، وهذه الأمور العظيمة التي سنحققها إن شاء الله تعالى بهممنا السامية تكون في مجالات شتى، في طلب العلم.. في العبادة والزهد.. في الدعوة إلى الله تعالى.. في تنفيذ مشاريع كبيرة.. إلخ.

2- البعد عن سفاسف الأمور.. يقول الإمام ابن الجوزي: "قد رأيت عموم الخلق يدفعون الزمان دفعًا عجيبًا، إن طال الليل فبحديث لا ينفع أو بقراءة كتاب فيه غزل وسمر، وإن طال النهار فبالنوم، وهم في أطراف النهار على دجلة أو في الأسواق، ورأيت النادرين من الناس قد فهموا معنى الزمان وتهيؤوا للرحيل، فاللهَ اللهَ في مواسم العمر، والبدارَ البدارَ قبل الفوات، ونافسوا الزمان".

لا أدري ماذا كان ابن الجوزي يقول عن زماننا لو رأى كيف يقضي أبناء المسلمين وشبابهم- بل أحيانًا كبراؤهم وعقلاؤهم- أوقاتَهم في التسكُّع في المجمعات، ومضايقة الخلق، وفي اللعب الباطل، أو في المقاهي العابثة؛ لا يقيمون للوقت وزنًا، ولا لحياتهم معنى..!!

وهذا الإمام عبد الغني المقدسي من علماء الحنابلة في القرن السادس الهجري: "كان لا يضيع شيئًا من زمانه بلا فائدة، فإنه كان يصلي الفجر ويلقن القرآن وربما قرأَ شيئًا من الحديث تلقينًا، ثم يقوم فيتوضأ ويصلي إلى قبل الظهر، ثم ينام نومةً يسيرةً، ثم يصلي الظهر ويشتغل إما بالتسميع أو النسخ إلى المغرب، فإن كان صائمًا أفطر وإلا صلى من المغرب إلى العشاء، ثم ينام بعد صلاة العشاء إلى نصف الليل أو بعده، ثم يقوم كأن إنسانًا يوقظه فيتوضأ ويصلي إلى قرب الفجر، ثم ينام نومةً يسيرةً إلى الفجر، وهذا دأبه".
والهمة العالية في ذلك تتضح في أنه لم يتحمَّس يومًا أو يومين لسماع موعظة أو نصيحة ثم فتَر، بل كان هذا دأبه، قال عنه موفق الدين: "كان الحافظ عبدالغني جامعًا للعلم والعمل، وكان رفيقي في الصبا وفي طلب العلم، وما كنا نستبق إلى خير إلا سبقني إليه إلا القليل".
إن صاحب الهمة العالية يستفيد من أوقاته أيَّما استفادة، فتكون مثمرةً بنَّاءةً، فساعاته محسوبة، وأيامه لا تضيع سدًى.

3- صاحب الهمة العالية عبدٌ لله وحده، فهو يتحرر من الانغماس في هواه ومن ذُلِّ نفسه للمال، ومِن تتبُّع شهواته للجاه والنساء.. يتحرر من عبوديته للأشخاص.. هو إنسان لا ينقاد لتسلط الأمر الواقع، بل يعمل لتغييره بما يوافق أحكام دينه.. هو لا يرضى لنفسه أن تنقاد لكافر، بل يتطلَّع ليوم تعلو فيه رايةُ الإسلام ويعمل لأجل ذلك.
خصائص كبير الهمة
يا عالي الهمَّة..
1 - بقَدْر ما تَتَعنَّى ، تنالُ ما تتمنَّى
إن عالي الهمة يجود بالنفس والنفيس في سبيل تحصيل غايته، وتحقيق بغيته، لأنه يعلم أن المكارم منوطة بالمكاره، وأن المصالح والخيرات، و اللذات والكمالات كلها لا تنال إلا بحظ من المشقة، ولا يُعبر إليها إلا على جسر من التعب :
بَصُرتُ بالراحة الكبرى فلم أرها *** تُنال إلا على جسر من التعب
****
فقل لِمُرَجِّي معالي الأمور *** بغير اجتهاد: رجوتَ المحالا
****
أحزان قلبي لا تزول *** حتى أبشر بالقبول
وأرى كتابي باليمين *** وتُسَرَّ عيني بالرسول
****
عالي الهمة يُرى منطلقاً بثقة وقوة وإقدام نحو غايته التي حددها على بصيرة وعلم، فيقتحم الأهوال، ويستهين الصعاب ..
****
ذريني أنل ما لا يُنال من العُلا *** فصعب العلا في الصعب والسهل في السهل
تريدين إدراك المعالي رخيصة *** ولا بُدَّ دون الشَّهْدِ من إبر النحْلِ
****
2 - عالي الهمة لا يرضى بما دون الجنة
من أراد الجنة سلعةَ الله الغالية لم يلتفت إلى لوم لائم، ولا عذل عاذل، ومضى يكدح في السعي لها
قال تعالى: ( ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا )
وقال  : " من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة "
كبير الهمة لا ينقُضُ عَزْمه
قال تعالى : ( فإذا عزمت فتوكل على الله )
قال جعفر الخلدي البغدادي : " ما عقدت لله على نفسي عقدا ، فنكثته "
علام يندم كبير الهمة؟
يندم على ساعة مرت به في الدنيا لم يعمرها بذكر الله عز وجل ، قال  : " ليس يتحسر أهل الجنة على شيء إلا على ساعة مرت بهم لم يذكروا الله عز وجل فيها "
يا كبير الهمة : لا يضرك التفرد ، فإن طرق العلاء قليلة الإيناس
فعالي الهمة ترقى في مدارج الكمال بحيث صار لا يأبه بقلة السالكين، ووحشة الطريق لأنه يحصل مع كل مرتبة يرتقي إليها من الأنس بالله ما يزيل هذه الوحشة ، و إلا انقطع به السبيل ..
إن كبير الهمة لا يعتد بما له فناء ، ولا يرضى بحياة مستعارة ، ولا بقُنيةٍ مستردة ، بل همه قنية مؤبدة ، وحياة مخلدة ، فهو لا يزال يحلق في سماء المعالي ، و لا ينتهي تحليقه دون عليين ، فهي غايته العظمى ، وهمه الأسمى..

3 - عالي الهمة لا يرضى بالدون ولا يرضيه إلا معالي الأمور
إن عالي الهمة يعلم أنه إذا لم يزد شيئا في الدنيا فسوف يكون زائدا عليها ، ومن ثم فهو لا يرضى بأن يحتل هامش الحياة ، بل لابد أن يكون في صلبها ومتنها عضوا مؤثرا
إذا ما مضى يوم ولم أصطنع يدا * ولم أقتبس علما فما هو من عمري
إن كبير الهمة نوع من البشر تتحدى همته ما يراه مستحيلا ، وينجز ما ينوء به العصبة أولو القوة ،
ويقتحم الصعاب والأهوال لا يلوي على شيء
له همم لا منتهى لكبارها وهمته الصغرى أجل من الدهر
ندرة كبيريّ الهمة في الناس
يصدق عليهم قول الرسول  : " تجدون الناس كإبل مائة ، لا يجد الرجل فيها راحلة "
وهم في الناس ثلة من الأولين ، وقليل من الآخرين
وقد كانوا إذا عدوا قليلا فقد صاروا أعز من القليل

4 - عالي الهمة شريف النفس يعرف قدر نفسه
وعالي الهمة يعرف قدر نفسه ، في غير كبر، و لا عجب ، ولا غرور ، وإذا عرف المرء قدر نفسه ، صانها عن الرذائل ، وحفظها من أن تهان ، ونزهها عن دنايا الأمور ، و سفاسفها في السر والعلن ، وجنبها مواطن الذل بأن يحملها ما لا تطيق أو يضعها فيما لا يليق بقدرها ، فتبقى نفسه في حصن حصين ، وعز منيع لا تعطى الدنية ، و لا ترضى بالنقص ، ولا تقنع بالدون ..
كبير الهمة عصامي لا عظامي
فكبير الهمة عصامي يبني مجده بشرف نفسه ، لا اتكالا على حسبه ونسبه ، و لا يضيره ألا يكون ذا نسب ، فحسبه همته شرفا ونسبا ، فإن ضم كبر الهمة إلى نسب كان كعقد علق على جيد حسناء ..
***********
كبر الهمة يجلب لك بإذن الله خيرا غير مجذوذ ، ويجري في عروقك دم الشهامة والركض في ميدان العلم والعمل ، فلا ترى واقفا إلا على أبواب الفضائل ، ولا باسطا يديك إلا لمهمات الأمور ..
إن التحلي بكبر الهمة يسلب منك سفاسف الآمال والأعمال ، ويجتث منك شجرة الذل والهوان والتملق والمداهنة ..
مجالات علو الهمة :
1* علو الهمة في طلب العلم
قال يحيى بن أبي كثير : لا ينال العلم براحة الجسد ..
ومن يصطبر للعلم يظفر بنيله *** ومن يخطب الحسناء يصبر على البذل
ومن لم يذل النفس في طلب العلى *** يسيرا يعش دهرا طويلا أخا ذل
2* علو الهمة في العبادة والاستقامة
قال الحسن : من نافسك في دينك فنافسه ، ومن نافسك في دنياه فألقها في نحره
قال وهيب بن الورد : إن استطعت أن لا يسبقك إلى الله أحد فافعل ..
واحسرتاه تقضى العمر وانصرمت *** ساعاته بين ذل العجز والكسل
والقوم قد أخذوا درب النجاة وقد ساروا *** إلى المطلب الأعلى على مهل
3* علو الهمة في البحث عن الحق
لقد حفل التاريخ الإسلامي قديمه وحديثه بنماذج رائعة من المهتدين الذين ارتفعت همتهم في البحث عن الدين الحق
و بذلوا في سبيل ذلك النفس والنفيس ، فصاروا مضرب الأمثال ، وحجة لله على خلقه أن من انطلق باحثا عن الحق مخلصا لله تعالى ، فإن الله عز وجل يهديه إليه ، ويمن عليه بأعظم نعمة في الوجود نعمة الإسلام
ومن النماذج المشرقة في البحث عن الحق
سلمان الفارسي رضي الله عنه ..
أبوذر رضي الله عنه ...
4* علو الهمة في الدعوة إلى الله تعالى ..
كبير الهمة يحمل هم الدعوة
من أعظم ما يهتم به الداعية هداية قومه ، وبلوغ الجهد في النصح لهم ، كما يتضح ذلك جليا لمن تدبر سير المرسلين ، خاصة خاتمهم وسيدهم محمد  ..
إن المتأمل لقوائم عظماء رجالات الإسلام من الرعيل الأول فمن بعدهم ليرى أن علو الهمة هو القاسم المشترك بين كل هؤلاء الذين اعتزوا بالإسلام ، واعتز بهم الإسلام ، ووقفوا حياتهم لحراسة الملة وخدمة الأمة سواء كانوا علماء أو دعاة أو مجددين أو مجاهدين أو مربين أو عباد صالحين ولو لم يتحلوا بعلو الهمة لما كان لهم موضع في قوائم العظماء ولما تربعوا في قلوب أبناء ملتهم ، ولما تزينت بذكرهم صحائف التاريخ و لا جعل الله لهم لسان صدق في الآخرين ..
5* علو الهمة في الجهاد في سبيل الله
قال عمران بن حصين: ( ما لقي  كتيبة إلا كان أول من يضرب )
وكذلك الشجعان في أمته والأبطال لا يحصون عدة ، و لا يحاط بهم كثرة ، سيما أصحابه المؤيدين الممدوحين في التنزيل بقوله تعالى :
( محمد رسول الله والذين آمنوا معه أشداء على الكفار رحماء بينهم )
قال  : ( إن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف )
حال الأمة عند سقوط الهمة
إن سقوط الهمم وخساستها حليف الهوان ، وقرين الذل والصغار ، وهو أصل الأمراض التي تفشت في أمتنا ،
فأورثتها قحطا في الر جال ، وجفافا في القرائح ، وتقليدا أعمى ، وتواكلا وكسلا ، واستسلاما لما يسمى الأمر الواقع ..
كل ذل يصيب الإنسان من غيره ، ويناله من ظاهره : قريب شفاؤه ، ويسير إزالته ،
فإذا نبع الذل من النفس ، وانبثق من القلب ، فهو الداء الدوي ، والموت الخفي ..
أسباب انحطاط الهمم
حتى نكون أبعد عن انحطاط الهمم لابد أن نتعرف على أسباب ذلك ..
1* الوهن .. كما فسره الرسول  : ( حب الدنيا، وكراهية الموت )
2* الفتور .. قال  : ( إن لكل عمل شِرَّةً، ولكل شِرَّة فترة، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى، ومن كانت إلى غير ذلك فقد هلك )
3* اهدار الوقت الثمين في فضول المباحات .. قال  : ( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ )
4* العجز والكسل .. قال تعالى: ( ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين )
5* الغفلة .. وشجرة الغفلة تُسقى بماء الجهل الذي هو عدو الفضائل كلها
قال ابن القيم رحمه الله: لابد من سِنة الغفلة، ورقاد الغفلة، ولكن كن خفيف النوم
6* التسويف والتمني .. وهما صفة بليد الحس، عديم المبالاة، الذي كلَّما همَّت نفسه بخير، إما يعيقها بسوف حتى يفجأه الموت، وإما يركب بها بحر التمني، وهو بحر لا ساحل له، يدمن ركوبه مفاليس العالم .
7* ملاحظة سافل الهمة من طلاب الدنيا.. قال  : ( إنما مَثل الجليس الصالح والجليس السوء، كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك: إما أن يُحْذِيك ، وإما أن تبتاع منه،وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير: إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحا خبيثة )
8* العشق .. لأن صاحبه يحسر همته في حصول معشوقه فيلهيه عن حب الله ورسوله.
9* الانحراف في فهم العقيدة .. لا سيما مسألة القضاء والقدر، عدم تحقيق التوكل على الله تعالى، بدعة الإرجاء.
10* الفناء في ملاحظة حقوق الأهل والأولاد واستغراق الجهد في التوسع في تحقيق مطالبهم ..
قال تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم )
11* المناهج التربوية والتعليمية الهدامة .. التي تثبط الهمم، وتخنق المواهب، وتكبت الطاقات، وتخرب العقول، وتنشىء الخنوع، وتزرع في الأجيال ازدراء النفس، وتعمق فيها احتقار الذات، والشعور بالدونية.
12* توالي الضربات، وازدياد اضطهاد العاملين للإسلام، مما ينتج الشعور بالإحباط في نفوس الذين لا يفقهون حقيقة البلاء، وسنن الله عز وجل في خلقه.

أسباب الارتقاء بالهمة... كيف نرقى بهمتنا؟

لا يمكن لأي مسلم أن يرقى بهمته إلا بعدة وسائل وأسباب، وهي كثيرة، نذكر منها:

1- إرادة الآخرة، وجعل الهموم همَّا واحداً.. قال تعالى: ( ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا )
وقال  : ( من كانت همّه الآخرة، جمع الله له شملَه، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا راغمة، ومن كانت همّه الدنيا، فرَّق الله عليه أمره، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب الله له) .
2- الدعاء الصادق، والالتجاء إلى الله تعالى أن يقوِّيَ إرادتنا وعزيمتنا، ويشحذ من هممنا، والدعاء بإخلاص وتذلل وقت الأسحار، وبين الأذان ويوم الجمعة
وسائرالأوقات المباركات.
3 – الهم طريق الهمة: الداعية كثير التفكير في أحوال أمته، وسبل إصلاحها، وأسباب قوتها، دائم الفكر والتفكير فيها، سابح الفكر في أمرها، يحمل هموم أمته، يعاني من جراحاتها، يحزن لحزنها، يفرح لفرحها، يتمزَّق قلبه لعاصٍ يراه، يفرح بتوبة التائب وبعودة العائد، وليس له في ذلك مغنم- أيًّا كان- إلا أنه داعية القلب والفكر.

ومن هنا يتميَّز في همومه وأحزانه.. في طموحاته وآماله.. قد يعجب من حاله غيره، بل وقد ينكر عليه ذلك، ولكنه يعرف أن همَّه هو وقوده، وأن من علوِّ همته علو همِّه، وكذا شأن من سار على ما سار عليه، رغم إنكار من حوله له، لكنها الدعوة يا سادة.
الهم ديدن الحبيب
فهذا سيد الخلق وإمام الدعاة صلى الله عليه وسلم كان همُّ الدعوة يملأ قلبه، ويشغل فكره، وقد بلغ به الأمر مبلغًا عظيمًا تنزلت فيه آياتٌ تتلى ليُخفِّف همَّه ويُذهب حزنه؛ قال ربنا جل في علاه: (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (8)) (فاطر)، والحسرة: همُّ النفس وشدة الحزن على فوات الأمر، قال ابن عباس رضي الله عنهما: "لا تغتم ولا تهلك نفسك حسرةً على تركهم الإيمان".
وهذه تسلية من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم "حتى يدع ما يجيش في قلبه البشري من حرص على هداهم، ومن رؤية الحق الذي جاء به معروفًا بينهم، وهو حرص بشري معروف، يرفق الله برسوله مما وقعه في حسِّه، فيبيِّن له أن هذا ليس من أمره بل من أمر الله، وهي حالة يعانيها الدعاة كلما أخلصوا في دعوتهم، وأدركوا قيمتها وجمالها وما فيها من الخير، ورأوا الناس في الوقت ذاته يصدُّون عنها ويعرضون" (تفسير في ظلال القرآن ج 5).
فتأمل كيف كان حمله صلى الله عليه وسلم لهمِّ الدعوة حتى بلغ هذا المبلغ العظيم وحتى خاطبه ربه بقوله الكريم: (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا (6)) (سورة الكهف)، عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: "هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ قال: "لقد لقيت من قومك، وكان أشد ما لقيته منهم يوم العقبة؛ إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي وإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل عليه السلام فناداني فقال: إن الله تعالى قد سمع قول قومك لك وما ردُّوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، فناداني ملك الجبال فسلَّم عليَّ ثم قال: يا محمد إن الله قد سمع قول قومك لك وأنا ملك الجبال، وقد بعثني ربي إليك لتأمرني بأمرك فيما شئت إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يُخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئًا" (متفق عليه).
والصدِّيق على نهجه يسير
وعلى نهج الحبيب سار الصديق فكان مؤجّجًا لحماسته ومفجّرًا لطاقته حتى وَأَد الفتنة وقمع الردة وابتدأ الفتوح، ثم الفاروق رضي الله عنه، كان مهمومًا برعيته همًّا أورثه عدلاً قلَّ نظيره، وبذلاً أتعب من بعده، وعلى هذا كان الرعيل الأول من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
المجدد يتكلم
"كنت متألمًا لهذا أشدّ الألم، فها أنا ذا أرى أن الأمة المصرية العزيزة تتأرجح حياتها الاجتماعية بين إسلامها الغالي العزيز الذي ورثته وحمته وألفته، وعاشت به، واعتزَّ بها أربعة عشر قرنًا كاملةً، وبين هذا الغزو الغربي العنيف المسلح المجهز بكل الأسلحة الماضية الفتاكة من المال والجاه والمظهر والمتعة والقوة ووسائل الدعاية، وكان ينفس عن نفسي بعض الشيء الإفضاء بهذا الشعور إلى كثير من الأصدقاء الخلصاء، كما كان ينفِّس عن نفسي كذلك التردُّد على المكتبة السلفية؛ حيث نلقى الرجل المؤمن المجاهد العامل القوي العالم الفاضل والصحفي الإسلامي القدير السيد محب الدين الخطيب، ونلتقي بجمهرة من أعلام الفضلاء المعروفين بغيرتهم الإسلامية وحميتهم الدينية"، كتاب (مذكرات الدعوة والداعية).


4- المجاهدة: وهي أهم وسيلة تأخذ بيدك للمعالي.. يقول تعالى: ﴿والَّذِيْنَ جَاهَدُوا فِيْنَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِيْنَ﴾ (العنكبوت: 96)، بأن تطلب العلم وتدعو إلى الله تعالى، يكون لك تميز في أعمالك، تخطط لمشروع دعوي بارز، كل ذلك يحتاج إلى مجاهدة ومصابرة وسهَر وإشغال فكر..!!
فلتتأمل في هذا الموقف وتخيل مقدار ما فيه من مجاهدة.. قال ابن القيم: "أعرف من أصابه مرض من صداع وحمى، وكان الكتاب عند رأسه، فإذا وجد إفاقة قرأ فيه، فإذا غلب وضعه.

5 - صحبة أولي الهمم العالية، ومطالعة أخبارهم..
"من يؤثر فيك فعله قبل مقاله".
6 - قراءة سير سلف هذه الأمة.. يقول الإمام ابن الجوزي: "وعليكم بملاحظة سير القوم، ومطالعة تصانيفهم وأخبارهم؛ فالاستكثار من مطالعة كتبهم رؤية لهم".
7- الابتعاد عن كل ما مِن شأنه الهبوط بالهمة وتضييعها: وكل إنسان أعرفُ بنفسه وبما يؤثر فيها ويحبطها، ومن ذلك:..
- مصاحبة البطالين وذوي الهمم الدنيا، أو من ليس عندهم أي همة أصلاً.
- الانهماك بتحصيل المال.
- كثرة التمتع بالمباح، وأن يكون هو الشغل الشاغل.
7 - التحول عن البيئة المثبطة
اذا لم يجدى العلاج كان فى التحول عن البيئة أملا

نسأل الله تعالى أن يُعلي همتنا، ويقوِّيَ إرادتنا، وينصرنا على أنفسنا وأعدائنا.. آمين.
أطفالنا وعلو الهمة
قال أبو حامد الغزالي رحمه الله: والصبي أمانة عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة، فإن عُوِّد الخير وعُلِّمه نشأ عليه، وسَعِدَ في الدنيا والآخرة، وإن عُوِّد الشر، وأُهْمِل إهمالَ البهائم شقي وهلك.. وصيانته بأن يؤدِّبَه، ويهذبه، ويعلمه محاسن الأخلاق ..
وقال ابن خلدون: التعليم في الصغر أشد رسوخاً، وهو أصل لما بعده.
كِبَارُ الهمَّةِ النَّابغُون .. مُخْتَصَرُ الطريق إلى المَجْد..
إن المرء لا يولد عالماً، وإنما تربيه جماعة، وتصنعه بيئة، و تتعهده بالرعاية والتعليم، حتى يمتلك ناصية العلم الذي يطلبه .
.........
أثر عُلُوّ الهمَّة في إصلاح الفرد والأمَّة
أصحاب الهمة العالية هم الذين يقوون على البذل في سبيل المقصد الأعلى، و يبدلون أفكار العالم، ويغيرون مجرى الحياة بجهادهم وتضحياتهم، ومن ثَمَّ فهم القلة التي تنقذ الموقف، وهم الصفوة التي تباشر مهمة " الانتشال السريع " من وحل الوهن، و وهدة الإحباط.
...............
زاحم بكتفيك وساعديك قوافل العظماء المجددين من السلف والخلف، ولا تؤجل فإن مرور الزمن ليس من صالحك، وإن الطغيان كلما طال أمده، كلما تأصَّلت في نفوس المتميعين معاني الاستخذاء، ولابد من مبادرة تنتشل، ما دام في الذين جرفهم التيار بقية عرق ينبض، وبذرة فطرة كامنة .
..........
هذا زمان لا توسُّط عنده *** يبغي المغامر عالياً وجليلا
كن سابقاً فيه أو ابق بمعزلٍ *** ليس التوسط للنبوغ سبيلا
..........
إن أمتك المسلمة تترقب منك جذبة " عُمَرِيَّة " توقد في قلبها مصباح الهمة في ديجور هذه الغفلة المدلهمة، وتنتظر منك صيحة " أيوبية " تغرس بذرة الأمل، في بيداء اليأس، وعلى قدر المئونة؛ تأتي من الله المعونة، فاستعن بالله ولا تعجز .
ــــــــــــــــــ