الثلاثاء، 31 مارس 2020

جمع القرآن والرد على المرجفين


حفظ النبي للقرآن:.
حفظ الصحابة للقرآن:
جمع القرآن فى عهد أبى بكر
جمع القرآن في عهد عثمان
ما موقف الصحابة رضي الله عنهم من جمع عثمان؟
الاحرف السبع
هل الرسم العثماني توقيفي ؟
الفرق بين عمل أبي بكر وعمل عثمان 

حفظ النبي للقرآن:
كان النبي صلى الله عليه وسلم ينزل عليه القرآن الكريم فيقرؤه على صحابته على تؤدة وتمهل كي يحفظوا لفظه ويفقهوا معناه؛ وكان النبي صلى الله عليه وسلم شديد العناية بحفظ القرآن وتلقفه، حتى بلغ من شدة عنايته به وحرصه عليه أنه كان يحرك به لسانه ويعالجه أشد المعالجة، حتى كان يجد من ذلك شدة؛ يقصد بذلك استعجال حفظ القرآن خشية أن تفلت منه كلمة أو يضيع منه حرف، وما زال كذلك حتى طمأنه ربه ووعده أن يحفظه له في صدره، وأن يقرئه لفظه ويفهمه معناه قال تعالى: {لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ} [القيامة: 16- 19].
وكان من دواعي حفظ القرآن وتثبيته في قلب النبي صلوات الله وسلامه عليه معارضة جبريل عليه السلام إياه بالقرآن في رمضان من كل عام، حتى كان العام الذي توفي فيه الرسول فعارضه مرتين، وفهم النبي من ذلك قرب انتهاء أجله، وكان القرآن شغل النبي الشاغل في سره وعلانيته، وفي حضره وسفره، وفي وحدته وبين صحابته وفي عسره ويسره، ومنشطه ومكرهه، لا يغيب عن قلبه، ولا يألوا جهدا في الائتمار بأوامره والانتهاء عن نواهيه والاعتبار بمواعظه وقصصه والتأدب بآدابه وأخلاقه، وتبليغه إلى الناس كافة، فمن ثم كان النبي صلوات الله وسلامه عليه مرجع المسلمين في حفظ القرآن، وفهمه، والوقوف على أسراره، ومراميه.
.حفظ الصحابة للقرآن:
وأما الصحابة رضوان الله عليهم فقد جعلوا القرآن في المحل الأول، يتنافسون في حفظ لفظه ويتسابقون في فهم معناه، وجعلوه مسلاتهم في فراغهم، ومتعبدهم في ليلهم، حتى لقد كان يسمع لهم بقراءته دوي كدوي النحل، {كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات: 17- 18]؛ ولقد وصفهم واصف فقال: كانوا رهبانا بالليل فرسانا بالنهار، وكان اعتمادهم في الحفظ على التلقي والسماع من الرسول، أو ممن تلقاه من الصحابة من الرسول، وما كانوا يعتمدون في حفظه على النقل من الصحف والسطور؛ لأن الاعتماد في حفظ القرآن على الصحف والمكتوب يفوت على القارئ ركنا مهما من أركان أداء القرآن الكريم على وجهه الصحيح، وهو علم التجويد.
ومن خصائص هذه الأمة حفظها لكتاب ربها وهو القرآن ففي الحديث الذي رواه مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن ربي قال لي: قم في قريش فأنذرهم، قلت أي ربي إذن يثلغوا رأسي حتى يدعوه خبزة، فقال: إني مبتليك ومبتل بك، ومنزل عليك كتابا لا يغسله الماء تقرؤه نائما ويقظانا، فابعث جندا أبعث مثلهم، وقاتل بمن أطاعك من عصاك وأنفق ينفق عليك».
فقد أخبر أن القرآن لا يحتاج في حفظه إلى صحيفة تغسل بالماء وإنما محلّه القلوب كما جاء في وصف هذه الأمة: شرَّف الله أمة الإسلام بخصيصة لم تكن لأحد غيرهم، وهي حفظهم لكتاب ربهم عن ظهر قلب. وكان من أسباب حفظ الله لكتابه أن وفَّق هذه الأمة إلى حفظ قرآنها واستظهاره .

وقد تظاهرت الأدلة من السنة على فضل حفظ القرآن واستظهاره. وكان صلى الله عليه وسلم كثيراً ما يحث أصحابه على حفظ ما ينزل عليه من القرآن، فكان الصحابة يحفظونه بسماعه منه صلى الله عليه وسلم، فهذه أم هشام رضي الله عنها تروي كيف أنها حفظت سورة { ق } من رسول لله صلى الله عليه وسلم، فتقول: ( كان تنورنا وتنور رسول الله صلى الله عليه وسلم واحداً سنتين، وما أخذتُ { ق والقرآن المجيد } إلا عن لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم ) رواه مسلم .

وكان من حرصه صلى الله عليه وسلم على تعليم صحابته للقرآن وحفظهم له أنه كان يتعاهد كل من يلتحق بدار الإسلام فيدفعه إلى من يعلمه القرآن، فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُشغَل، فإذا قَدِمَ رجل مهاجر على رسول الله صلى الله عليه وسلم دفعه إلى رجل منا يعلمه القرآن " رواه أحمد .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" ذَكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقُرَّاءَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَعَدَّ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْخُلَفَاءَ الْأَرْبَعَةَ وَطَلْحَةَ وَسَعْدًا وابن مَسْعُودٍ وَحُذَيْفَةَ وَسَالِمًا وَأَبَا هُرَيْرَةَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ السَّائِبِ وَالْعَبَادِلَةَ ، وَمِنَ النِّسَاءِ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ ، وَلَكِنَّ بَعْضَ هَؤُلَاءِ إِنَّمَا أَكْمَلَهُ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وعد ابن أَبِي دَاوُدَ فِي كِتَابِ الشَّرِيعَةِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ أَيْضًا: تَمِيمَ بْنَ أَوْسٍ الدَّارِيَّ وَعُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ، وَمِنَ الْأَنْصَارِ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ وَمُعَاذًا الَّذِي يُكَنَّى أَبَا حَلِيمَةَ وَمُجْمِّعَ بْنَ حَارِثَةَ وَفَضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ وَمَسْلَمَةَ بْنَ مَخْلَدٍ وَغَيْرَهُمْ، وَصَرَّحَ بِأَنَّ بَعْضَهُمْ إِنَّمَا جَمَعَهُ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمِمَّنْ جَمَعَهُ أَيْضًا: أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ ذَكَرَهُ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ، وَعَدَّ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنَ الْقُرَّاءِ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَسَعْدَ بْنَ عَبَّادٍ وَأُمَّ وَرَقَةَ " انتهى من "فتح الباري"
من الصحابيات اللاتي جمعن القرآن أم ورقة رضي الله عنها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أمرها أن تؤمَّ أهل دارها. والحديث في "مسند" أحمد .
وفي الصحيحين عن أنس قال: «جمع القرآن على عهد رسول الله r أربعةٌ كلَّهم من الأنصار: معاذ بن جبل وأبيُّ بنُ كعب وزيد بن ثابت وأبو زيد». وفي صحيح البخاري قال: «مات النبيُّ ، ولم يجمعْ القرآنَ غيرُ أربعةٍ: أبو الدَّرداء ومعاذُ بن جبل وزيدُ بنُ ثابتٍ وأبو زيد».

قصة بئر معونة
مقتل سبعون رجلا من القراء
وقعة اليمامة - سنة اثنتي عشرة للهجرة - التي استشهد فيها سبعون قارئاً من حفاظ القرآن على رأسهم سالم مولى أبي حذيفة د كان المسلمون في موقعة "اليمامة" الشهيرة إذا حدثت لهم هزة أو انتكاسة، استنجدوا بأهل القرآن، كانوا ينادون عليهم ويقولون: "يا أهل القرآن" فيقومون، ويقوم من ورائهم المسلمون، حتى استشهد في اليمامة سبعون  حافظ للقرآن
أما بعد وفاته صلى الله عليه وسلم فقد أتم حفظه الألوف المؤلفة من الصحابة وبحسبك أن تعلم أن من قتل من القراء في موقعة اليمامة كانوا سبعمائة على ما قيل، وعن الصحابة حفظه الألوف المؤلفة من التابعين، وهكذا دواليك، تلقته طبقة عن طبقة بالحفظ والعناية والصيانة، حتى وصل إلينا القرآن الكريم، من غير زيادة ولا نقصان ولا تحريف ولا تبديل، فكان تصديقا لقول الله: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ}.
أن القرآن لا يحتاج في حفظه إلى صحيفة تغسل بالماء وإنما محلّه القلوب كما جاء في وصف هذه الأمة
كتابته
لقد توفي النبي والقرآن محفوظ في الصدور، ومكتوب في الرقاع واللخاف والعسب والأكتاف، لكنه مفرق ولم يرتب في مصحف واحد على عهد النبي ويرجع سبب عدم جمع القرآن مرتبًا في مصحف واحد على عهد النبي
صلى الله عليه وسلم، حرص النبي نفسه على عدم جمعه ترقبًا لنزول شيء جديد منه حتى وفاته، فلو أنه رتبه أولاً بأول وجمع بين دفتي مصحف واحد، لأدى هذا إلى كثرة التغيير والتبديل كلما نزلت عليه آية، وفي هذا من المشقة ما فيه.
لكن هنالك كثير من النصوص واضحة الدلالة، على حفظ القرآن الكريم في سطور الصُّحُف ـ إضافة إلى حفظه المتواتر في الصدور ـ في عهد النبوة، ومنها:
الأدلة من القرآن الكريم
قال تعالى: وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا [الفرقان: 5]. ووجه الدلالة أن المشركين شاهدوا صحفاً مكتوب عليها آيات من القرآن الكريم، وقالوا: «اكْتَتَبَهَا» ولم يقولوا: «كتبها»، لأنهم يعلمون أن رسول الله أمي لا يكتب، بل يأمر غيره بالكتابة.
تكرار كلمة (الكتاب) في السور المكية، والتي تعني: القرآن الكريم. مثلاً: قال تعالى: كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ [الأعراف: 2].
وقال: وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ [النحل: 89].
السنة
عن أبي سعيد الخدريرضي الله عنه أن رسول الله قال: «لَا تَكْتُبُوا عَنِّي، وَمَنْ كَتَبَ عَنِّي غَيْرَ الْقُرْآنِ فَلْيَمْحُهُ».
عن ابن عمر رضي الله عنه عن النبي قال: «لَا تُسَافِرُوا بِالْقُرْآنِ، فَإِنِّي لَا آمَنُ أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوُّ».
عن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه: «فَدَخَلْتُ عَلَى رَسُوْلِ الله فَسَأَلتُهُ مُصْحَفَاً كَانَ عِنْدَهُ، فَأَعْطَانِيْه».
عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: «كُنَّا عِنْدَ رَسُوْلِ الله نُؤَلِّفُ القُرْآنَ مِنَ الرِّقاعِ».
قال ابن عباس رضي الله عنه عن سورة الأنعام: «هِيَ مَكِيَّة، نَزَلَتْ جُمْلَةً وَاحِدَةً، نَزَلَتْ لَيْلَاً، وَكَتَبُوْهَا مِنْ لَيْلَتِهِمْ».
قد بلغ من عناية النبي صلى الله عليه وسلم بتدوين القرآن أنه كان إذا نزل عليه شيء من القرآن دعا أحد كُتَّابه، وأمره بكتابة ما نزل عليه، ففي الحديث عن زيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أملى عليه { لا يستوي القاعدون من المؤمنين } (النساء:95) فجاءه ابن أم مكتوم وهو يُمِلُّها عليه. متفق عليه .

وكان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعملون في كتابة القرآن ما تيسر لهم وما توفر في بيئتهم من أدوات لذلك، فكانوا يستعملون الجلود والعظام والألواح والحجارة ونحوها، كأدوات للكتابة، فعن البراء رضي الله عنه قال: ( لما نزلت: { لا يستوي القاعدون من المؤمنين } قال النبي صلى الله عليه وسلم: ادعُ لي زيداً، وليجئ باللوح والدواة والكتف، ثم قال اكتب ) رواه البخاري. وفي حديث زيد عندما أمره أبو بكر رضي الله عنه بجمع القرآن قال: ( فتتبعتُ القرآن أجمعه من العسب واللحاف والأضلاع والأقتاب ) رواه البخاري. والعسب: جريد النخيل. واللحاف: صفائح الحجارة. والأقتاب: الخشب الذي يوضع على ظهر البعير .

السيرة النبوية
قصة إسلام عمر بن الخطاب:
والشاهد فيها، أنه وجد عند أخته وزوجها صحيفة كتبت فيها سورة طه، كان خباب بن الأرت يعلمهما إياها. وهذا يدل على أن عادة خباب بن الأرت أخذ صحف من القرآن المكتوب، وتعليمها للمسلمين في بيوتهم.
قصة حَمْل رافع بن مالك صُحُفاً من مكة إلى المدينة:
لما لقي رافعٌ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بالعقبة، أعطاه ما أنزل عليه في عشر سنين خلت، وقدم به رافع المدينة، ثم جمع قومه فقرأ عليهم. وكان رافع بن مالك أول من قدم المدينة بسورة يوسف. إذاً، كان رافع يكتب آيات القرآن الكريم في مكة قبل الهجرة، وحمل معه الصُّحف المكتوبة إلى المدينة. وتعبير: "(أول) من قدِم المدينة بسورة يوسف "، يدل على أن هنالك ثان وثالث.
كثرة الصُّحُف التي بين أيدي الصحابة الكرام، والتي اعتزَّ كلٌّ منهم أنه كتبها بين يدي رسول الله ، وفيهم مَن أسلم في بداية العهد المكي.ولا يُعقَل أن يكونوا كتبوها جميعاً، في عهد أبي بكر.
وبهذا يطمئن القلب أن القرآن الكريم كله كان مكتوبًا في عهده النبي الكريم، وإن كان غير مجموع في موضع واحد.

جمع القرآن فى عهد أبى بكر
ظل القرآن الكريم على هذه الحال مفرقًا غير مجموع في مصحف واحد، إلى أن كانت خلافة أبي بكر، فواجهته أحداث جسيمة، وقامت حروب الردة، واستحرّ القتل بالقراء في وقعة اليمامة - سنة اثنتي عشرة للهجرة - التي استشهد فيها سبعون قارئاً من حفاظ القرآن. هالَ ذلك عمر بن الخطاب، وخاف أن يضيع شيء من القرآن بموت حفظته، فدخل على أبي بكر، وأشار عليه بجمع القرآن وكتابته خشية الضياع، فنفر أبو بكر من مقالته، وكَبَرَ عليه أن يفعل ما لم يفعله النبي، فظل عمر يراجعه حتى اطمئن أبو بكر لهذا الأمر. ثم كلف أبو بكر زيد بن ثابت بتتبع الوحي وجمعه، فجمعه زيد من الرقاع والعسب واللخاف وصدور الرجال. حرص زيد بن ثابت على التثبت مما جمعه، ولم يكتف بالحفظ دون الكتابة، وحرص على المطابقة بين ما هو محفوظ ومكتوب، وعلى أن الآية من المصدرين جميعًا. فكان ذلك، أول جمع للقرآن بين دفتين في مصحف واحد
قال زيد: قال أبو بكر: « إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتتبع القرآن فاجمعه »
فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن.
. واحتفظ أبو بكر بالمصحف المجموع حتى وفاته، ثم أصبح عند حفصة بنت عمر.

ما أسباب اختيار أبي بكر لزيد بن ثابت كاتباً للمصحف؟
1-:معرفته بطريقته كتابة القرآن، وذلك لأنه كان يكتب الوحي للنبي صلى الله عليه وسلم،وأن الرسول صلى الله عليه وسلم مات وهو راضٍ عن كتابته.
2- أنه رجل عاقل، وذلك دليل على رشده وحسن تصرّفه.
3- أمانته وأنه غير متّهم، فيُطمئنّ إليه .
4- أنه رجل شابّ، وذلك فيه مظنة أنه يقوى على تتبع القرآن الذي عند الصحابة، وكتابته.
- ودليله ما رواه البخاري في صحيحه من حديث الزهري عن عبيد بن السباق، أن أبا بكرٍ قال لزيد رضي الله عنهما: [إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتتبع القرآن فاجمعه].

جمع القرآن في عهد عثمان
اتسعت رقعة الأمصار الإسلامية في عهد عثمان بن عفان، وتفرق الصحابة في الأمصار يُقرِئون الناس القرآن، وأخذ كل بلدٍ عن الصحابي الذي وفد إليهم قراءته، وظهرت قراءات متعددة منشؤها اختلاف لهجات العرب. ولما اجتمع أهل العراق وأهل الشام لغزو ثغور أرمينية وأذربيجان، ظهر الخلاف بينهم في قراءة القرآن، وأنكر بعضهم على بعض ما يقرأون. شهد ذلك حذيفة بن اليمان، فركب إلى عثمان وبلّغه بالأمر. فأرسل عثمان إلى حفصة بنت عمر، يطلب المصحف لنسخه، وأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، فنسخوها، وجعلوا كتابته على لهجة قريش. ثم أرسل عثمان النسخ إلى مكة والشام والبصرة والكوفة واليمن والبحرين، وأبقى عنده في المدينة مصحفًا واحدًا، فقضى على الاختلاف بين بعض المسلمين
عن سويد بن غفلة الجعفي قال: والله لا أحدثكم إلا بشيء سمعته من علي: سمعته يقول: " اتقوا الله في عثمان ولا تغلوا فيه، ولا تقولوا حراق المصاحف، فوالله ما فعل إلا عن ملأ منا أصحاب محمد، دعانا فقال: ما تقولون في هذه القراءة؟ فقد بلغني أن بعضكم يقول: قراءتي خير من قراءتك، وهذا يكاد يكون كفرا، وإنكم إن اختلفتم اليوم كان لمن بعدكم أشد اختلافا "،
قلنا: فما ترى؟ قال: «أن أجمع الناس على مصحف واحد فلا تكون فرقة ولا اختلاف» ، قلنا: فنعم ما رأيت، قال: «فأي الناس أقرأ؟» قالوا: زيد بن ثابت،
قال: «فأي الناس أفصح وأعرب؟»
قالوا: سعيد بن العاص، قال: «فليكتب سعيد وليمل زيد» ، قال: فكانت مصاحف بعث بها إلى الأمصار، قال علي: «والله لو وليت لفعلت مثل الذي فعل» رواه عمر بن شبة.
زيد الذي تولى كتابة المصحف أيام أبي بكر، هو الذي تولاه أيام عثمان. ففي كلا الحالتين سيكتب في المصحف ما ثبت في هذه العرضة الأخيرة. وسيثبت نفس ترتيب السور. لكن لو حدث خلاف حول كتابة الكلمات على أي لهجة، فقد أمر عثمان أن يكون ذلك على لهجة قريش وليس على لهجة الأنصار. وهذا ثابت بما روى البخاري عن أنس: «أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان، وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة. فقال لعثمان: "أدرك الأمة قبل أن يختلفوا اختلاف اليهود والنصارى". فأرسل إلى حفصة أن أرسلي إلينا الصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان. فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف. وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: "إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن، فاكتبوه بلسان قريش، فإنه إنما نزل بلسانهم". ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف، رد عثمان الصحف إلى حفصة، وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة ومصحف أن يحرق».

وقد يعترض معترضٌ أن الاختلاف قائمٌ في القراءات المشهورة التي يقرأ بها الناس إلى اليوم. والجواب أن عثمان لم يمنع اختلاف القراءة كما قد يتبادر على الذهن من ظاهر الحديث. بل كان عمله حذف القراءات المنسوخة، ذلك أنَّ قراء الصحابة كانوا يقرئون الناس بما صحَّ عندهم عن نبيهم r، وليس كلهم بَلَغَهُ ما نُسِخَ في العرضة الأخيرة. فلعل هذا هو الذي أفزع حذيفة. فلما وزع عثمان المصاحف، صار لو التقى قارئٌ من البصرة وقارئ من الكوفة، فقرأ كل منهما على اختلاف ما بينهما، فإنهما يعلمان بأن ذلك عائدٌ إلى وجه صحيح مروي عن النبي r، وبهذا يكون الاختلاف قد تحدَّد بهذه المصاحف ومن معها من القراء، وأنَّ ما سواها فهو منسوخ لا يُقرأ به. أما قول عثمان "فاكتبوه على لغة قريش"، فهو إشارة إلى الرسم لا إلى القراءة، أي هو لا يمنع من القراءة. فمثلاً اجتمعت مصاحف أهل الأمصار على رسم {الصراط} و{صراط} بالصاد مثل لغة قريش، لكن في قراءة متواترة صح أنها تُقرأ بالسين وبإشمامها زاياً.
. وقد درج العلماء على تسمية المصحف المكتوب بأمر عثمان بمصحف عثمان أو المصحف الإمام.
ما موقف الصحابة رضي الله عنهم من جمع عثمان؟
أجمع الصحابة رضي الله عنهم على استحسان ما فعله عثمان رضي الله عنه من جمع الناس على مصحف إمام، ولم يخالفه منهم أحد على أمر الجمع سوى ما ذكر عن ابن مسعود في أول الأمر ، ثم إنه رجع عن المعارضة إلى موافقة ما أجمع عليه الصحابة، واستقرّ إجماع المسلمين على القراءة بما تضمنته المصاحف العثمانية وترك القراءة بما سواها.
- كان المشتهرون من الصحابة بإقراء القرآن عثمان، وعليّ، وأبيّ بن كعب، وزيد بن ثابت، وابن مسعود، وأبو الدرداء، وسائر أولئك الذين أرسلهم عثمان رضي الله عنه وعنهم بالمصاحف إلى الآفاق الإسلامية. وكان المشتهرون من التابعين بإقراء القرآن سعيد بن المسيب، وعروة، وسالم، وعمر بن عبد العزيز، وسليمان بن يسار، وأخوه عطاء وآخرون.
6- في آخر عهد التابعين انتبه كثير من علماء القرآن إلى ما أخذ يتسلل إلى الناس من اضطراب السلائق، ومظاهر العجمة وبوادر اللحن، فتجرد قوم منهم ونهضوا بأمر القراءات يضبطونها ويحصرونها ويعنون بأسانيدها كما فعلوا مثل ذلك في الحديث وعلم التفسير.
وقد اشتهر ممن نهض بذلك أئمة سبعة حازوا ثقة العلماء والقراء في مختلف الأمصار وإليهم تنسب القراءات السبعة.
وهم: نافع بن نعيم المدني المتوفى سنة (169 هـ)، وعاصم بن أبي النجود الأسدي، المتوفى سنة (127 هـ)، وحمزة بن حبيب الزيات الكوفي، المتوفى سنة (156 هـ)، وابن عامر: عبد الله بن عامر اليحصبي الدمشقي، المتوفى سنة (118 هـ)، وابن كثير: عبد الله بن كثير الداري، المتوفى بمكة سنة (120 هـ)، وابن العلاء: أبو عمرو، زبّان بن العلاء البصري، المتوفى بالكوفة سنة (154 هـ)، والكسائي: أبو الحسن، علي بن حمزة الكسائي النحوي، المتوفى بالري سنة (189 هـ). وقد اعتمد علماء آخرون ثلاثة قراء آخرين، فأصبح الأئمة عشرة إليهم تنسب القراءات العشرة. وأولئك الثلاثة هم: أبو جعفر المدني، المتوفى بالمدينة سنة (132 هـ)، وابن إسحاق الحضرمي، المتوفى بالبصرة سنة (205 هـ)، وخلف بن هشام، المتوفى ببغداد سنة (229 هـ).
القراءات العشر مشهورة قبل ابن مجاهد لكن الذي حدث [لحكمة يعلمها الله] أن ابن مجاهد -وهو شيخ قراء زمانه وهو تلميذ الطبري وشيخ الدارقطني- ألف كتابا اقتصر فيه على سبع قراءات كانت وجهة نظره أنها أرجح القراءات. وكان تأليفه لهذا الكتاب سنة 300 هـ بالضبط [سبحان الله كأن لهذه السنة سرا معينا في انتهاء عصر المتقدمين في القراءات كما انتهى في الحديث] فعكف تلاميذه على كتابه وقصرت الهمم، وحصل مثل ما حصل من الاقتصار على المذاهب الأربعة. ومثل ما حصل في كتب السنة الستة المشهورة،
القراءات الثلاث  الأخرى كانت مشهورة متداولة قبل ابن الجزري -- وإنما الذي قام به هو أنه تتبع أسانيد القراءات حتى زمانه فوجد أن هذه الثلاث تشارك السبع في الشهرة والثبوت، فضمها جميعا في كتاب واحد، ولو وجد غير هذه الثلاث لضمها إليها، فأصبح المتواتر هو هذه العشر، وما سواها هو الشاذ
قال ابن الجزرى ((ثبت وتحقق أن القراءات الثلاث متواترة، تلقاها جماعةٌ عن جماعةٍ يستحيل تواطؤهم على الكذب))
انتهى كلام المحقق ابن الجزري  وجزاه عن القرآن وأهله خير الجزاء.
وبذا يظهر الفرق بين عمل ابن مجاهد وعمل ابن الجزري -رحمهما الله- :
فابن مجاهد اختار سبعا من القراءات التي اشتهرت في زمانه بالقبول، وإن كان غيرها متوافرا، ولذا يمكن اعتبار فعله إشهارا لهذه السبع.
أما ابن الجزري فإنه تتبع الموجود من القراءات في زمانه وحرر أسانيدها فوجد أن الثابت منها والمقبول عشر قراءات ..
الاحرف السبع
إن هذا البحث من الأبحاث التي كثرت فيها أقوال العلماء وتضاربت فيه آراءهم ، ولم يختلفوا في موضوع مثلما اختلفوا في تفسير هذه الأحرف السبعة والمراد بها ، وحقيقة العدد ( سبعة ) ، وبقاء الأحرف للآن أم أنها اندثرت ، وهل هي القراءآت السبع ؟ أوصلها الحافظ السيوطي إلى الأربعين قولا ؛ مما جعله شائكا”غامضا”في أذهان الكثيرين من طلبة العلم فضلا”عن غيرهم،على الرغم من صحة وكثرة روايات الحديث الواردة.
السبعة ثابتة بالأحاديث الصحيحة التى بلغت حد التواتر، كما حكى ذلك كثيرٌ من أهل العلم، وأصبح من المعلوم عند عامة المسلمين وعلمائهم أن القرآن الكريم نزل على سبعة أحرف، كما دل على ذلك ما رواه البخاري ومسلم من حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((أقرأني جبريل على حرف، فراجعته، فلم أزل أستزيده حتى انتهى إلى سبعة أحرف)).
وكذا الحديث الذي رواه الحكم عن مجاهد عن ابن أبي ليلى عن أُبي عنه صلى الله عليه وسلم: "أن جبرائيل أتاه بِأَضاةِ بني غِفار، فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ القرآن على حرف واحد، فقال صلى الله عليه وسلم: ((أسأل الله المعافاة والرحمة، إن ذلك ليشق على أُمَّتي، ولا يستطيعونه))، ثم أتاه الثانية فقال: ((إن الله يأمرك أن تقرأ القرآن على حرفين))، فقال له مثل ما قال في الأولى، حتى انتهى إلى سبعة أحرف، قال: ((فمَنْ قرأ بحرف منها، فقد أصاب))"، وجاء عن عمر بن الخطاب أنه قال: "سمعت هشام بن الحكيم يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرؤها عليه، وكان صلى الله عليه وسلم أقرأنيها، فكدت أن أعجل عليه، ثم أمهلته حتى انصرف، ثم لببته بردائه، فجئت به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرأتنيها، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اقرأ))، فقرأ القراءة التي سمِعته يقرأ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((هكذا أنزلت))، ثم قال لي: ((اقرأ))، فقرأت، فقال: ((هكذا أنزلت، إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرؤوا ما تيسَّر منه)) ".
ومنشأ هذا الخلاف يرجع إلى أنه لم يرد في روايات هذا الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ما يحدد المراد بالأحرف السبعة ؛ ولهذا قال القاضي ابن العربي ( ت 543 هـ ) : ( لم يأت في معنى هذه السبع نص ولا أثر، واختلف الناس في تعينيها ) ، كما لم ينقل عن الصحابة رضي الله عنهم ما يوضح ذلك أيضا”، كأن الأمر كان من الوضوح لهم إلى حد لا يحتاج إلى تفسير ، غير ما نقله التابعي الإمام محمد بن شهاب الزهري ( ت 124 هـ ) عنهم في قوله : ( بلغني أن تلك السبعة الأحرف إنما هي الأمر الذي يكون واحدا”، لا يختلف في حلال ولا حرام ) . أي أن الألفاظ المختلف في قراءتها لا يتغير معناها ، وإنما الذي يتغير هو النطق والقراءة فقط .
وجاء المتأخرون ، ومن بعدهم ، ونظروا في هذه الأحاديث النبوية ، وأراد بعضهم تفسيرها على سبيل القطع والجزم ، مع أنه لم يأت في معناها نص ولا أثر متعين ؛ فذهبوا في ذلك مذاهب شتى ، أكثرها لا يؤيده نقل صحيح ولا منطق سليم ، بل تأبى فهم المراد من الأحرف السبعة على بعض العلماء ؛ فقال المقرئ محمد بن سعدان الكوفي ( ت 231 هـ ) : ( معنى قول النبي (صلى الله عليه وسلم) : [ أنزل القرآن  على سبعة أحرف ] مشكل لا يدرى معناه  ، وقال الحافظ السيوطي ( ت 911 هـ ) : ( والمراد به أكثر من ثلاثين قولا” حكيتها في الإتقان، والمختار عندي أنه من المتشابه الذي لا يدرى تأويله )
ومن ههنا نفقه سبب تلك الإجابة السريعة للأستاذ الأديب عباس محمود العقاد ، وقد سأله أحد المذيعين : لو أنك التقيت برسول الله (صلى الله عليه وسلم) فعن أي شيء كنت سائله ؟ فأجاب على الفور: كنت أسأله عن معنى الأحرف السبعة  .
وهذا فيه دلالة بينة على وعورة الخوض في مثل هذا المبحث الشائك ، وكثرة المعاني التي تطوف حوله ، وأن القطع بأحدها على أنه المختار ، أو أن قولا” منها هو القول الفصل المتعين ؛ ليس بالأمر الهين ، إن لم يكن يكاد يكون من المحال
 الثانى: المراد بها سبع اوجه حيث قال الإمام أبي الفضل الرازي: إن الأحرف لا تخرج عن سبعة أوجه هي :
1- اختلاف الأسماء : إفراداً وتثنية وجمعاً، وتذكيراً وتأنيثاً،مثل (بشهاداتهم) المعارج 33 ، قرأها حفص بالجمع والباقون بالإفراد .
2- اختلاف تصريف الأفعال من ماض ومضارع وأمر ، مثل : ( بعِّد بين أسفارنا ) سبأ 12 ، قرأ ابن كثير وأبو عمرو وهشام بالتشديد والقصر ، وقرأ يعقوب بالتخفيف والمد مع فتح العين ( باعَدَ ) والباقون بالتخفيف والمد وكسر العين ( باعِد ) .
3- اختلاف وجوه الإعراب ، مثل : ( ذو العرش المجيدِ ) البروج 15 ، قرأ بكسر الدال حمزة و الكسائي وقرأ الباقون بضمها .
4- اختلاف بالنقص والزيادة، مثل : ( تجري تحتها الأنهار ) التوبة 100، قرأ ابن كثير بزيادة من ، وقرأ الباقون بحذفها .
5- اختلاف بالتقديم والتأخير، مثل : ( فيُقتلون ويَقتلون ) التوبة 111، قرأ بتأخير المبني للمعلوم حمزة والكسائي ، وقرأ بتقديمه الباقون .
6- اختلاف بإبدال الحروف ، مثل : ( نُنشِزُها ) البقرة 259، قرأها ابن عامر والكوفيون ، وقرأ الباقون ( نَنشُرُها ) .
7- اختلاف اللهجات ، من إمالة وفتح وترقيق و تفخيم وإدغام وإظهار وغيرها ، مثل : ( الضحى ) أمالها حمزة والكسائي ،وقللها ورش وأبو عمرو ، وفتح الباقون وإذا تأمَّلت ما يتعلق باللغات العربية، وجدته أكثر ما يتعلق به الخلاف في القراءات، خصوصاً ما يتعلق بالنطق. فقبيلة تعمد إلى الإدغام في كلامها، وقبيلة تعمد إلى الإمالة، وقبيلة تعمد إلى تسهيل الهمز، وقبيلة تعمد إلى تحقيق الهمز، وقبيلة تعمد إلى ترقيق بعض الأحرف، وقبيلة تعمد إلى تفخيمها، وهكذا غيرها من الظواهر المرتبطة بالصوتيات التي تتميَّز بها قبيلة عن قبيلة. ويظهر أنَّ هذه الصوتيات هي أكبر ما يراد بنُزول الأحرف السبعة، وهي التي يدل عليها قوله r: «أسأل الله مغفرته ومعافاته، وإن أمتي لا تطيق ذلك». إذ الذي يستعصي على هؤلاء هو تغيير ما اعتادوا عليه من اللهجات (مثل الإمالة والإدغام) إلى غيرها، دون ما يكون من إبدال حرف بحرف، أو زيادة حرف، أو إعراب، فإن هذه لا تستعصي على العربي. وهذه الاختلافات المتعلقة باللهجات.
ويمكن تلخيص هذا الاختلاف، بأن بعضه يظهر في الخط العثماني القديم الذي يخلوا من التنقيط والتشكيل وهو قليل، وقد أدى لاختلاف رسم المصاحف العثمانية الأربعة، وبعضه يظهر في النص الكامل الضبط والتشكيل، وبعضه لا يظهر إلا بالقراءة وللحفاظ على القراءات المختلفة، قام كتبة المصاحف العثمانية بتخصيص بعض المصاحف برسم والأخرى برسم آخر يختلف في حرف أو حرفين. وهذا الاختلاف هو اختلاف تنوع وإثراء، لا اختلاف تضاد وتعارض. بمعنى أن تنوع القراءة جاء ليعطي معنى آخر يريده الله سبحانه وتعالى، لكنه لا يعارض المعنى الأول. وهذا الاختلاف في رسم المصاحف (الشامي والمدني والكوفي والبصري) هو قليل. ولو حذفنا التشكيل وتجاهلنا الألف الغير مكتوبة في الرسم العثماني، فسائر الاختلاف في الرسم لا يزيد عن 37. وأكثر المصاحف مخالفة هو الشامي ثم المدني. مثال ذلك: {فإن الله هو الغني الحميد} الحديد 24، وهي قراءة الجمهور. وفي المصحف الشامي والمدني {فإن الله الغني الحميد} بغير "هو"، وهي قراءة ابن عامر الشامي، ونافع، وأبي جعفر المدنيان.
سبب في اختيار هذا القول :
أن الأحاديث السابقة تؤيده بقوة ، وذلك واضح من خلال الفوائد المذكورة بعدها ، وأنَّه يعتمد على الاستقراء التام ، إضافةً إلى كونه ليس عليه اعتراض ذو وزن وقيمة .
ثم إن ممن شابه قولُه قولَنا ، الإمام ابن قتيبة وابن الطيب ومكي بن أبي طالب و الإمام ابن الجزري الذي قال : ( لا زلت أستشكل هذا الحديث وأفكر فيه وأمعن النظر منذ نيف وثلاثين سنة حتى فتح الله عليّ بما يمكن أن يكون صوابا، ذلك أني تتبعت القراءات صحيحها وشاذها و ضعيفها و منكرها فإذا هي ترجع إلى سبعة أوجه) ، ثم ذكرها ، إلا أن هذه الأقوال لم تذكر وجه اللغات.
ولشدة تقارب هذه الأقوال قال الإمام ابن حجر : "إن الرازي أخذ مذهب ابن قتيبة وهذبه"، واختار هذا القول الشيخ محمد الخضري والشيخ محمد بخيت المطيعي وغيرهم .
الثالث - من الأقوال القوية ، قول الإمام الطبري والطحاوي وابن وهب إ: إنها سبعة ألفاظ متفقة معنى مختلفة لفظا نحو : ( هلم ، أقبل ، تعال ، عجل ، وأسرع ، قصدي و نحوي ) .
أي إن المراد بالأحرف السبعة سبعة أوجه من المعاني المتفقة، بالألفاظ المختلفة، نحو: أقبل، هلُمَّ، تعال، عجِّل، أسرع... ونسب ابن عبد البر هذا القول إلى أكثر العلماء، وأسند عن أبي بن كعب أنه كان يقرأ قوله تعالى: { كلما أضاء لهم مشوا فيه } (البقرة:20) (سعوا فيه) قال: فهذا معنى السبعة الأحرف المذكورة في الأحاديث عند جمهور أهل الفقه والحديث، قال: وفي مصحف عثمان رضي الله عنه الذي بأيدي الناس اليوم منها حرف واحد، وهذا القول اختيار الإمام الطبري
ومن أمثلة ذلك من القرآن قوله تعالى: {إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً} [يس: 29] وقد قرأ ابن مسعود: إلا زقية واحدة.
وقوله: {فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ} قد قرأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه: {فامضوا إلى ذكر الله}، ومثل ما روى ورقاء عن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس، عن أبي بن كعب: أنه كان يقرأ: {لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا}، {للذين آمنوا أمهلونا}، {للذين آمنوا أخّرونا}، {للذين آمنوا ارقبونا}؛ وبهذا الإسناد عن أبي أنه كان يقرأ: {كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ}، {سعوا فيه}.
ولا يقال: إن بعض هذه الحروف لا يقرأ بها اليوم؛ لأنا نقول: إن هذا هو معنى الأحرف السبعة، ونحن لا ندعي بقاءها كلها إلى اليوم.
ورد الشيخ الزرقا على هؤلاء وفند رأيهم فقال
هؤلاء على جلالة قدرهم رحمهم الله جانبهم الصوابُ ، بل تمادى الأمر بهم - لمّا لم يستطيعوا الإجابة -، فقالوا قولاً صعباً على القلوب، فقالوا : إن الباقي حرف واحد والباقي قد نسخ
أن أصحاب هذا المذهب على جلالة قدرهم ونباهة شأنهم قد وضعوا أنفسهم في مأزق ضيق لأن ترويجهم لمذهبهم اضطرهم إلى أن يتورطوا في أمور خطرها عظيم إذ قالوا إن الباقي الآن حرف واحد من السبعة التي نزل عليها القرآن. أما الستة الأخرى فقد ذهبت ولم يعد لها وجود ألبتة. ونسوا أو تناسوا تلك الوجوه المتنوعة القائمة في القرآن على جبهة الدهر إلى اليوم. ثم حاولوا أن يؤيدوا ذلك فلم يستطيعوا
أن يثبتوا للأحرف الستة التي يقولون بضياعها نسخا ولا رفعا وأسلمهم هذا العجز إلى ورطة أخرى هي دعوى إجماع الأمة على أن تثبت على حرف واحد وأن ترفض القراءة بجميع ما عداه من الأحرف الستة
وأنى يكون لهم هذا الإجماع ولا دليل عليه؟ هنالك احتالوا على إثباته بورطة ثالثة وهي القول بأن استنساخ المصاحف في زمن عثمان رضي الله عنه كان إجماعا من الأمة على ترك الحروف الستة والاقتصار على حرف واحد هو الذي نسخ عثمان المصاحف عليه مع أننا أثبتنا لك فيما مر بقاء الأحرف السبعة في المصاحف العثمانية حرفا حرفا ومثلنا لذلك. وقصارى ما استطاعوا أن يسوغوا به مذهبهم وتورطاتهم هذه أن الأمة على عهد عثمان رضي الله عنه قد اختلفت في قراءات القرآن إلى حد جعلهم يتنازعون ويترامون بتكفير بعضهم بعضا حتى خيفت الفتنة فرأى الصحابة بقيادة خليفتهم الحكيم عثمان رضي الله عنه أن يعالجوا المشكلة ويطفئوا الفتنة بهذه الطريقة من جمع الناس على حرف واحد ونسخ المصاحف على حرف واحد وإهمال كل ما عداه من الحروف والمصاحف المنسوخة عليها.
وهذا لعمرك استناد مائل واحتجاج باطل. فقد تنازع الناس على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم أيضا في قراءات القرآن على حروف مختلفة كما رأيت في الروايات السابقة ومع ذلك أقرهم الرسول على هذه الحروف المختلفة وقررها فيهم وحملهم على التسليم بها في أساليب متنوعة. وجعل ذلك هو الحل الوحيد لمشكلتهم والعلاج الناجع لنزاعهم. وأفهمهم أن تعدد وجوه القراءة إنما هو رحمة من الله بهم بل بالأمة كلها. وقرر في صراحة وهو يسأل مولاه المزيد من عدد الحروف أن الأمة لا تطيق حصرها في مضيق حرف واحد وقال: "وإن أمتي لا تطيق ذلك" إلى آخر ما عرفت. وأنت خبير بأن أمة محمد صلى الله عليه وسلم باقية إلى يوم القيامة. وهي لا تطيق ذلك كما قرر رسولها المعصوم الرحيم صلوات الله وسلامه عليه. كما نشاهد نحن الآن من أن بعض الألسنة في بعض الشعوب الإسلامية لا يتيسر لها أن تحسن النطق ببعض الحروف ولا ببعض اللهجات دون بعض
فكيف يسوغ للصحابة وهم خير القرون أن يغلقوا باب الرحمة والتخفيف الذي فتحه الله لأمة الإسلام مخالفين في ذلك هدي الرسول عليه الصلاة والسلام في عمله للتخفيف بطلب تعدد الحروف وعلاجه للنزاع بين المختلفين بتقرير هذا التعدد للحروف؟ ألا إن هذه ثغرة لا يمكن سدها وثلمة يصعب جبرها وإلا فكيف يوافق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ضياع ستة حروف نزل عليها القرآن دون أن يبقوا عليها مع أنها لم تنسخ ولم ترفع؟ وعلى حين أن الرسول صلى الله عليه وسلم قرر بقوله وفعله أنه لا يجوز لأحد أيا كان أن يمنع أحدا أيا كان من القراءة بحرف من السبعة أيا كان. فقد صوب قراءة كل من المختلفين وقال لكل: "هكذا أنزلت" وضرب في صدر أبي بن كعب حين استصعب عليه التسليم بهذا الاختلاف في القراءة. إلى آخر ما شرحنا في الشاهدين الثالث والخامس من الشواهد الماضية.
وقصارى القول أننا نربأ بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكونوا قد وافقوا أو فكروا فضلا عن أن يتآمروا على ضياع أحرف القرآن الستة دون نسخ لها. وحاشا عثمان رضي الله عنه أن يكون قد أقدم على ذلك وتزعمه.
وكيف ينسب إليه هذا؟ والمعروف أنه نسخ المصاحف من الصحف التي جمعت على عهد أبي بكر رضي الله عنه قبل أن يدب النزاع في أقطار الإسلام بسبب اختلاف حروف القراءة في القرآن. فكانت تلك الصحف محتملة للأحرف السبعة جميعا وموافقة لها جميعا ضرورة أنه لم يحدث وقتئذ من النزاع والشقاق ما يدعو إلى الاقتصار على حرف واحد في رأيهم. ولم يثبت أن الصحابة تركوا من الصحف المجموعة على عهد أبي بكر حرفا واحدا فضلا عن ستة حروف ولو كان ذلك لنقل إلينا متواترا لأنه مما تتوافر الدواعي على نقله تواترا.
ثم كيف يفعل عثمان رضي الله عنه ذلك وهو الذي عرف أن علاج الرسول لمثل هذا
النوع الذي دب في زمانه كان بجمع الناس وتقريرهم على الحروف السبعة لا بمنعهم عنها كلا ولا بعضا.
ثم كيف يفعل عثمان ذلك وتوافقه الأمة ويتم الإجماع؟ ثم يكون خلاف في معنى الأحرف السبعة مع قيام هذا الإجماع أي كيف نجمع الأمة على ترك ستة أحرف وإبقاء حرف واحد ثم يختلف العلماء في معنى الأحرف السبعة على أربعين قولا ويكادون يتفقون رغم خلافهم هذا على أن الأحرف السبعة باقية مع أن الإجماع حجة عند المسلمين وبه ينجلي ظلام الشك عن وجه اليقين.
ولنفرض جدلا أن نزاع المسلمين في أقطار الأرض أيام خلافة عثمان رضي الله عنه قضى عليه أن يجمع المسلمين على حرف واحد في القراءة فلماذا لم تسمح نفسه الكريمة بإبقاء الستة الأحرف الباقية للتاريخ لا للقراءة مع أن الضرورة تقدر بقدرها وهذه الستة الأحرف لم تنسخ لا تلاوة ولا حكما حتى تذهب بجرة قلم كذلك ثم يبخل عليها بالبقاء للتاريخ وحده في أعظم مرجع وأقدس كتاب وهو القرآن الكريم. على حين أن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين حفظوا للتاريخ آيات نسخت تلاوتها ونسخت أحكامها جميعا.
وعلى حين أنهم حفظوا قراءات شاذة في القرآن ثم نقلت إلينا وكتب لها الخلود إلى اليوم والى ما بعد اليوم.
بل نقلوا إلينا أحاديث منسوخة وتناقل العلماء أحاديث موضوعة ونصوا على حكم كل منها وعلى إهمال العمل بها.
ثم إن من عرف تحمس الصحابة لدينهم واستبسالهم في الدفاع عن حمى القرآن يستبعد كل البعد بل يحيل كل الإحالة أن يكونوا قد فعلوا ذلك أو أقل من ذلك عاود ما قررناه في الشاهد السادس من شواهدنا الماضية وانظر إلى موقف عمر من هشام وموقف هشام من عمر وموقف أبي وابن مسعود وصاحبيهما وتأمل كيف أن كلا من هؤلاء الصحابة رضوان الله عليهم أبى أن يتنازل عن قراءة سمعها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلمها
إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أقرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على استمساكهم هذا وحل مشكلتهم بأن أعلمهم أن كلا منهم مصيب ومحسن وأن قراءة كل منهم هكذا أنزلت وأن القرآن أنزل على سبعة أحرف وأن من كفر بحرف منها فقد كفر بها كلها وألا يختلفوا في ذلك فقد أهلك الاختلاف من كانوا قبلهم. وبهذا قطعت جهيزة قول كل خطيب.
أمر ثالث هو أن هؤلاء الذين شايعوا ذلك المذهب يلتزمون أن يقولوا: إن اختلاف القراءات الحاصل اليوم يرجع كله إلى حرف واحد وهكذا شاء لهم رأيهم أن يجعلوا تلك الكثرة الغامرة القائمة الآن حرفا واحدا على ما بينها من اختلاف في الوجوه والأنواع وعلى رغم أن من القراءات الحاضرة ما يكون وجه الاختلاف فيه ناشئا عن وجود ألفاظ مترادفة في كلمة واحدة ومعنى واحد ومنها ما هو من لغات قبائل مختلفة كما نص على ذلك السيوطي في النوع السابع والثلاثين. ونقلنا منه شيئا من موضع آخر من هذا المبحث.
ولدينا دليل مادي أيضا على بقاء الأحرف السبعة جميعا هو بقاء التيسير والتخفيف وتهوين الأداء على الأمة الإسلامية الذي هو الحكمة في الأحرف السبعة.
فها نحن أولاء لا نزال نشاهد عن طريق القراءات المختلفة القائمة الآن سبيلا سهلا قد وسع كافة الشعوب المسلمة سواء منها الأمم العربية وغير العربية والحمد لله على دوام فضله ورحمته وبقاء تخفيفه وتيسيره. وغفر الله لأولئك الأعلام الذين أخطأوا إصابة المرمى فقد اجتهدوا وللمجتهد أجر وإن أخطأ ونسأل الله التوفيق والسداد آمين.

الرابع ــ أن حقيقة العدد ليست مرادة لأن لفظ السبعة يطلق في لسان العرب ، ويراد به أحيانا” الكثرة والتضعيف في الآحاد لا من باب حصر العدد (15) ، وممن نسب إليه هذا القاضي عياض ( ت 544 هـ ) .
ويناقش هذا القول ـــ بما سبق ـــ بأن حقيقة العدد سبعة مرادة حقا” في الحديث ؛ بدليل استزادة النبي (صلى الله عليه وسلم) الحروف حرفا” حرفا” ، وفي كل مرة يزيده جبريل عليه السلام الحرف تلو الآخر ، فلو لم تكن حقيقة العدد هي المقصودة ، لما توقف العدد عند سبعة .
الخامس: إنها سبع لغات عربية فصحى أنزل القرآن بها ، قد جاءت متفرقة فيه منثورة بين دفتيه ، أكثرها لغة قريش ، وأقلها لغات العرب الأخرى (لغة قريش، ولغة هذيل، ولغة ثقيف، ولغة هوازن، ولغة كِنانة، ولغة تميم، ولغة اليمن )
. وفي هذا الاتجاه يقول الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام ( ت 224 هـ ) : ( ليس معنى تلك السبعة أن يكون الحرف الواحد يقرأ على سبعة أوجه ، هذا شيء غير موجود ، ولكنه عندنا أنه نزل على سبعة لغات متفرقة في جميع القرآن من لغات العرب ، فيكون الحرف منها بلغة قبيلة ، والثاني بلغة أخرى سوى الأولى ، والثالث بلغة أخرى سواهما ، كذلك إلى السبعة ، وبعض الأحياء أسعد بها وأكثر حظا” فيها من البعض ، وذلك بين في أحاديث تترى ) . واستدلوا بما قاله عثمان (رضي الله عنه) للنساخ الأربعة حين أمرهم بنسخ الصحف : ( إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في عربية من عربية القرآن ، فاكتبوه بلسان قريش ؛ فإن القرآن أنزل بلسانهم ) إذ فيه دلالة على أن معظمه نزل بلسان قريش ، وأن فيه بقية من لغات العرب.
السادس : انها القراءات السبعة قال العلامة اللغوي الخليل بن أحمد الفراهيدي في "العين": «وكل كلمة تقرأ على وجوه من القراءات تسمى حرفاً» وقد وصف ابن الجزرى بمن يقول ذلك بأعظم الجهل

السابع هناك آراء أخرى
قال ابن الجزى كان كل فريق من العلماء يفسر هذه الأحرف حسب اختصاصه، فيقول الأصوليون، إنها : المطلق المقيد، والعام، والخاص، والناسخ، والمنسوخ، والنص المؤول، والمجمل والمفسر، والاستثناء وأقسامه، ويقول الفقهاء : إنها الحلال والحرام، والمحكم والمتشابه، والأمر والنهي، والدعاء، والخبر والاستخبار والزجر، والوعد والوعيد، ويقول أهل البيان أنها : الحذف، والصلة، والتقديم والتأخير، والاستعارة والتكرار، والحقيقة والمجاز، والمجمل والمقيد، والظاهر والمضمر، ويقول النحويون : هي التذكير، والتأنيث، والشرط والجزاء، وأوجه الإعراب، ويقول اللغويون : إنها لغات القبائل، ويذكرون سبعة منها، وهي لغات قريش ، وهذيل، وثقيف، وهوازن، وكنانة، وتميم، واليمن، ونسب هذا الرأي إلى ابن عباس، كما أن المفسرون نقلوا عن ابن عباس أيضا أن القرآن الكريم وردت فيه جميع لغات العرب، مثل تفسير "اللهو " بالمرأة في قوله تعالى : " لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا"، وهي من لغة اليمن، و"ينعق" يعني "يصيح" بلغة طيء، "وييأس" معناه "يعلم" بلغة هوازن، وفي لغة عمان "قوما بورا" معناها "هلكى"، و"المقيت" هو المقتدر بلغة مذحج، و"تسيمون" ترعون عند خثعم، و"الحقدة" هو العيال في لغة سعد العشيرة، و"تعولوا" تميلوا بلغة جرهم، "والإملاق" الجوع في لغة لخم، والأمثلة من هذا النوع كثيرة تتجاوز الأربعين".
ومن المعاصرين من ذهب إلى انها حركات الإعراب السبعة

التقويم
أولًا:       إن أدلة نزول القرآن الكريم على سبعة أحرف غير قاصرة على ما هو مبثوث من أحاديث في السنة النبوية المشرفة، بل يضاف إليها تنوع القراءات القرآنية الذي نشهده في القراءات العشر المتواترة فهو دليل على ذلك أيضًا.كما أن إجماع الصحابة الحاضرين عند عثمان على أن القرآن الكريم أنزل على سبعة أحرف دليل آخر عليها.
ثانيا:       مصدر الأحرف السبعة هو الوحي المنزّل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبذلك ينتفي الادعاء بأنه يسر للناس بأن يقرأوا وفق ما يشتهون ويستطيعون، بأن يقرؤوا بالمعنى أو بإبدال الكلمة القرآنية بما يماثلها في اللهجات العربية الأخرى أو بغير ما تعلموه عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ثالثًا:       الحكمة من نزول القرآن الكريم على سبعة أحرف هو التيسير على الأمة ، ولا يقتصر ذلك على اللهجات بل يشهد التيسير في الأحكام الشرعية أيضًا، وفي غيرها من العلوم كالتفسير.
رابعا :    الأحرف السبعة هي أصل القراءات العشر المتواترة بحيث لا يخرج حرف ولا كلمة قرآنية أنزلت بالأحرف السبعة عن القراءات العشر المتواترة، نحو ما بيّنته في متن هذا البحث.
هل الرسم العثماني توقيفي ؟
العلماء في ذلك طرفان ووسط :
فرأيُ جمهور أهل العلم أنه توقيفي ولا يجوز مخالفته ، والدليل : أن الكتابة تمت في عهد رسول صل الله عليه وسلم بين يديه الكريمتين بإقرار تام منه بل من الله جل جلاله إذ لو كان في طبيعة الكتابة أو الكتبة خلل لأخبر الله جل جلاله رسوله صل الله عليه وسلم ؛ لأن الخطأ في الكتابة ينشأ عنه الخطأ في القراءة ، ثم الخطأ بالفهم ، والله يأبى لكلامه إلا كمال القداسة من جميع الوجوه .
قال البيهقي : ( من كتب مصحفا ، ينبغي أن يحافظ على الهجاء الذي كتبوا به تلك المصاحف ، ولا يخالفهم فيه ، ولا يغير مما كتبوا شيئاً ، فإنهم كانوا أكثر علماً ، وأصدق قلباً ولساناً ، وأعظم أمانة ، فلا ينبغي أن نظن بأنفسنا استدراكاً عليهم ).
قال ابن المبارك في كتابه الذهب الإبريز نقلا عن شيخه عبد العزيز الدباغ قوله ( ما للصحابة ولا لغيرهم في رسم المصحف ولا شعرة واحدة ، وإنما هو توقيف من النبي صل الله عليه وسلم وهو الذي أمرهم أن يكتبوه على الهيئة المعروفة ، بزيادة ألف وبنقصانها ، لأسرار لا تهتدي إليها العقول ، وهو سر خص الله به كتابه دون سائر الكتب ، وكما أنه معجز بلفظه فرسمه أيضا معجز ، ... إذ كيف يهتدي العقل إلى زيادة ألف في (سعوا ) الحج 51، وحذفها من نفس الكلمة في سبأ 5، وكذلك زيادتها في (عتوا) حيث وردت، إلا في الفرقان (عتو)21.... وكيف نتوصل إلى فتح التاء في موضع وربطها في آخر ..) .
ثم جاء أبو بكر فكتب القرءان بهذا الرسم، ثم استنسخ عثمان منه المصاحف، وانتقل من جيل إلى جيل دون أن يؤثر عن أحد المخالفة ، وعليه فإن المصحف العثماني ظفر بأمور عظيمة تجعله جديرا بالاتباع والتقدير :
1- إقرار الله ورسوله له. (قُل إِن كُنتُم تُحِبونَ اللهَ فَاتَبِعوني) آل عمران 31
2- إجماع الصحابة كلهم عليه، ثم تحريق المصاحف الأخرى، دون أي مخالفة ، بل الكل التزم وبارك وأيد ، "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي" أبو داود والترمذي .
3- إجماع الأمة بعد الصحبة عليه وَمَن يُشَاقِقِ الرَسُولَ مِن بَعد ما تَبيَّنَ لََه الهُدَى وَيَتَّبِع غَيرَ سَبيِلِ المُؤمِنِينَ نُوَلِهِ مَا تَولَى وَنُصلِهِ جَهنَمَ [النساء 115].
الرأي الثاني : أنه اصطلاحي ، وهو رأي الباقلاني وابن خلدون ، وعليه يجوز مخالفته ، وحجتهم أنه لا دليل على التوقيف ، وقد سبق بيان الأدلة .
الرأي الثالث : وهو قول العز ابن عبد السلام ، والذي قال يجوز بل يجب أن يرسم القرآن الآن لعامة الناس على الاصطلاحات المعروفة عندهم ، لئلا يقع العوام في تغييره ، ولكن يجب في الوقت نفسه المحافظة على الرسم العثماني كأثر من الآثار النفيسة الموروثة عن سلفنا الصالح ، ويبقى في أيدي العارفين الذين لا تخل الأرض منهم ، وأيده الزرقاني
ان المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي قد صادق على قرار الهيئة السابق ، فقال : ( .... قرر بالإجماع تأييد ما جاء في قرار هيئة كبار العلماء من عدم جواز تغير رسم المصحف العثماني ، ووجوب بقاء رسم المصحف العثماني على ما هو عليه)، وكذا قرر مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر الشريف في المؤتمر السادس المنعقد في30 محرم 1391للهجرة.
هل المصحف الذى جمع فى عهد ابى بكر يشمل الحروف السبعه ؟
قال أبو الحسن الأشعري ، الإجماع على أنه لا يجوز منع القراءات بالأحرف التي نزل بها القرآن، و قال أنّ حفظ القرآن شامل لحفظ الأحرف السبعة، وقد ذكر بدر الدين العيني في عمدة القارئ: [قال الشيخ أبو الحسن الأشعري: أجمع المسلمون على أنه لا يجوز حظر ما وسَّعه الله تعالى من القراءات بالأحرف التي أنزلها الله تعالى، ولا يسوغ للأمة أن تمنع ما يطلقه الله تعالى، بل هي موجودة في قراءتنا، وهي مفرقة في القرآن غير معلومة بأعيانها]، وأيد هذا  القاضي أبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني المالكي وهو من كبار نُظَّار الأشاعرة ومتكلّميهم في كتابه "الانتصار
-ثم جاء بعد ذلك الإمام أبو عمرو الداني من أجل ائمة القراءات وأشهرهم وهو يعد من تلاميذ الباقلاني وكان له كلام في هذه المسألة في كتابه المقنع خلاصته:
أن مصحف أبي بكر كان جامعا للأحرف السبعة أيضا 
وجاء بعده الشاطبي فنظم المقنع ومن بعده علم الدين السخاوي تلميذه في شرح المقنع خلاصة الكلام أن جمع أبي بكر المصحف كان للأحرف السبعة
- وكذا  كلام بن عبد البر عن مصحف أبي بكر وجمعه لأحرف السبعة
-و كلام ابن الجزري وخلاصته أنه بعد النظر والتدقيق وتحرير الأقوال لجملة من أهل العلم منهم الطبري وابن عبد البر ومكي بن أبي طالب والشاطبي وغيرهم أن المصاحف التى كتبت زمن أبي بكر كانت مشتملة على الأحرف السبعة
هل كان الجمع العثماني مشتملاً على الأحرف السبعة أو على حرف منها؟
اختلف العلماء في هل كان الجمع العثماني مشتملاًعلى الأحرف السبع أو على حرف منها على أقوال:
القول الأول: أن عثمان –رض الله عنه- حمل الناس على حرف واحد من تلك الأحرف السبعة ،وترك باقي الستة أحرف،.حتى دَرَست من الأمة معرفتها، وتعفت آثارها، فلا سبيلَ لأحد اليوم إلى القراءة بها، لدثورها وعُفُوِّ آثارها،قاله الحارث المحاسبي وابن جرير الطبري وابن القيّم،وجماعة من أهل العلم.
القول الثاني:أنّ جمع عثمان –رضي الله عنه- يحتمل الأحرف السبعة كلها،وأنه لا يجوز على الأمة أن تهمل نقل شيء من الأحرف السبع،قاله الباقلاني وابن حزم والداودى وغيرهم . وقد وضح أساس هذا الأمر القاضي أبو بكر الباقلاني ( ت403هـ) بقوله: ( الصحيح أن هذه الأحرف السبعة ظهرت واستفاضت عن رسول لله وضبطها عنه الأئمة ، وأثبتها عثمان والصحابة في المصحف ، وأخبروا بصحتها ، وإنما حذفوا منها ما لم يثبت متواترا” ) وقال القاضى بن العربى (الَّذِي نَذْهَبُ إِلَيْهِ أَنَّ جَمِيعَ الْقُرْآنِ- الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهِ، وَأَمَرَ بِإِثْبَاتِ رَسْمِهِ، وَلَمْ يَنْسَخْهُ، وَلَا رَفَعَ تِلَاوَتَهُ بَعْدَ نُزُولِهِ- هُوَ هَذَا الَّذِي بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ، الَّذِي حَوَاهُ مُصْحَفُ عُثْمَانَ، وَأَنَّهُ لَمْ يَنْقُصْ مِنْهُ شَيْءٌ، وَلَا زِيدَ فِيهِ. وَأَنَّ تَرْتِيبَهُ وَنَظْمَهُ ثَابِتٌ عَلَى مَا نَظَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَرَتَّبَهُ عَلَيْهِ رَسُولُهُ مِنْ آيِ السُّوَرِ، لَمْ يُقَدِّمْ مِنْ ذَلِكَ مُؤَخَّرًا وَلَا أَخَّرَ مُقَدَّمًا، وَإِنَّ الْأُمَّةَ ضَبَطَتْ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرْتِيبَ آيِ كُلِّ سُورَةٍ وَمَوَاضِعِهَا، وَعَرَفَتْ مَوَاقِعَهَا كَمَا ضُبِطَتْ عَنْهُ نَفْسُ الْقِرَاءَاتِ وَذَاتُ التِّلَاوَةِ،)
وقد وردت آثار صحيحة تؤيد مذهب جماهير العلماء من أن المصاحف التي بين أيدينا هي التي تحوي على العرضة الأخيرة. أخرج ابن أبي شيبة (10|560): عن حسين بن علي، عن سفيان بن عُيَيْنَةَ، عن ابن سيرين، عن عَبِيْدَةَ، قال: «القراءةُ التي عُرِضَتْ على النبي r في العام الذي قُبِضَ فيه، هي القراءةُ التي يقرؤها الناسُ اليوم». وهذا إسنادٌ غاية في الصحة. وعبيدة ثقة مخضرم، أدرك جمع أبي بكر وجمع عثمان، وكان من أبرز تلاميذ ابن مسعود. وقال الحاكم (2|250): أخبرنا جعفر بن محمد بن نصير الخلدي ثنا علي بن عبد العزيز البغوي بمكة (ثقة ثبت) ثنا حجاج بن المنهال (ثقة فاضل) قال: ثنا حماد بن سلمة (حسن الحديث) عن قتادة (ثبت) عن الحسن (ثبت) عن سمرة رضي الله عنه قال: «عُرض القرآنُ على رَسُول اللهِ عرضات، فيقولون: إن قراءتنا هذه العرضة الأخيرة». وسماع الحسن من سُمرة صحيح
وأوضح  القاضي أبو بكر الباقلاني السبب في جمع عثمان رضي الله عنه المصحف مرة أخرى ( بعد أبى بكر ) بأن ذلك ليرد القراءات غير المعروفة ولا الثابتة والمنقولة نقل الآحاد لا التواتر لذا أحرق عثمان رضي الله عنه المصاحف التي اشتملت على هذا التخليط درءا للمفسدة من ورائها فعنده أن جمع عثمان اشتمل على الأحرف السبعة جميعها وأن ما خالفه غير ثابت إما لكونه منسوخ أو منقول بخبر الآحاد أو مغير بسبب سوء الضبط.
أنَّ أبا بكر لم يلزم المسلمين باتباع المصحف الذي كتبه، ولم يكن هذا من مقاصده لما أمر بكتابة المصحف، لذا بقي الصحابة يقرئون بما سمعوه من الرسول ، وكان في ذلك المقروء ما هو منسوخٌ بالعرضة الأخيرة. أما عثمان، فألزم المسلمين باتباع المصحف الذي أرسله، ووافقه على ذلك الصحابة، لذا انحسرت القراءة بما نسخ من الأحرف السبعة، وبدأ بذلك معرفة الشاذ من القراءات، ولو صح سندها، وثبت قراءة النبي بها. وبهذا يكون أكبر ضابط في تشذيذ القراءة التي صح سندها، ولم يقرأ بها الأئمة = كونها نسخت في العرضة الأخيرة.
راي ابن حزم في جمع عثمان للمصحف
 « وَأما قَوْلهم إِن طَائِفَة من عُلَمَائِنَا الَّذين أَخذنَا عَنْهُم ديننَا ذكرُوا إِن عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ إِذْ كتب الْمُصحف الَّذِي جمع النَّاس عَلَيْهِ أسقط سِتَّة أحرف من الأحرف الْمنزلَة وَاقْتصر على حرف مِنْهَا فَهُوَ مِمَّا قُلْنَا وَهُوَ ظن ظَنّه ذَلِك الْقَائِل أَخطَأ فِيهِ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ بل كل هَذَا بَاطِل ببرهان كَالشَّمْسِ
وَهُوَ أَن عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ لم يَك إِلَّا وجزيرة الْعَرَب كلهَا مَمْلُوءَة بِالْمُسْلِمين والمصاحف والمساجد والقراء يعلمُونَ الصّبيان وَالنِّسَاء وكل من دب وهب واليمن كلهَا وَهِي فِي أَيَّامه مدن وقرى الْبَحْرين كَذَلِك وعمان كَذَلِك وَهِي بِلَاد وَاسِعَة مدن وقرى وملكها عَظِيم وَمَكَّة والطائف وَالْمَدينَة وَالشَّام كلهَا كَذَلِك والجزيرة كَذَلِك ومصر كلهَا كَذَلِك والكوفة وَالْبَصْرَة كَذَلِك فِي كل هَذِه الْبِلَاد من الْمَصَاحِف والقراء مَا لَا يحصي عَددهمْ إِلَّا الله تَعَالَى وَحده فَلَو رام عُثْمَان مَا ذكرُوا مَا قدر على ذَلِك أصلا وَأما قَوْلهم أَنه جمع النَّاس على مصحف فَبَاطِل مَا كَانَ يقدر على ذَلِك لما ذكرنَا وَلَا ذهب عُثْمَان قطّ إِلَى جمع النَّاس على مصحف كتبه إِنَّمَا خشِي رَضِي الله عَنهُ أَن يَأْتِي فَاسق يسْعَى فِي كيد الدّين أَو أَن يهم وهم من أهل الْخَيْر فيبدل شَيْئا من الْمُصحف يفعل ذَلِك عمدا وَهَذَا وهما فَيكون اخْتِلَاف يُؤَدِّي إِلَى الضلال فَكتب مصاحف مجتمعاً عَلَيْهَا وَبعث إِلَى كل أفق مُصحفا لكَي إِن وهم واهم أَو بدل مبدل رَجَعَ إِلَى الْمُصحف الْمُجْتَمع عَلَيْهِ فانكشف الْحق وَبَطل الكيد وَالوهم فَقَط وَأما قَول من قَالَ أبطل الأحرف السِّتَّة فقد كذب من قَالَ ذَلِك وَلَو فعل عُثْمَان ذَلِك أَو أَرَادَهُ لخرج عَن الْإِسْلَام وَلما مطل سَاعَة بل الأحرف السَّبْعَة كلهَا مَوْجُودَة عندنَا قَائِمَة كَمَا كَانَت مثبوتة فِي الْقرَاءَات الْمَشْهُورَة المأثورة وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين » — الفصل في الملل والأهواء والنحل ج2 ص65

قال ابن حزم:  « ونذكر إن شاء الله تعالى … بالبرهان الصحيح أن القراءات السبع التي نزل بها القرآن باقية عندنا كلها وبطلان قول من ظن أن عثمان رضي الله عنه جمع الناس على قراءة واحدة منها أو على بعض الأحرف السبعة دون بعض وبالله تعالى التوفيق » — الإحكام في أصول الأحكام ج1 ص96
« وأما دعواهم أن عثمان رضي الله عنه أسقط ستة أحرف من جملة الأحرف السبعة المنزل بها القرآن من عند الله عز وجل فعظيمة من عظائم الإفك والكذب ويعيذ الله تعالى عثمان رضي الله عنه من الردة بعد الإسلام ولقد أنكر أهل التعسف على عثمان رضي الله عنه أقل من هذا مما لا نكره فيه أصلا فكيف لو ظفروا له بمثل هذه العظيمة ومعاذ الله من ذلك وسواء عند كل ذي عقل إسقاط قراءة أنزلها الله تعالى أو إسقاط آية أنزلها الله تعالى ولا فرق وتالله إن من أجاز هذا غافلا ثم وقف عليه وعلى برهان المنع من ذلك وأصر فإنه خروج عن الإسلام لا شك فيه لأنه تكذيب لله تعالى في قوله الصادق لنا {إنا نحن نزلنا لذكر وإنا له لحافظون} وفي قوله الصادق {إن علينا جمعه وقرآنه * فإذا قرأناه فتبع قرآنه * ثم إن علينا بيانه} فالكل مأمورون باتباع قرآنه الذي أنزله الله تعالى عليه وجمعه فمن أجاز خلاف ذلك فقد أجاز خلاف الله تعالى وهذه ردة صحيحة لا مرية فيها وما رامت غلاة الروافض وأهل الإلحاد الكائدون للإسلام إلا بعض هذا وهذه الآية تبين ضرورة أن جميع القرآن كما هو من ترتيب حروفه وكلماته وآياته وسوره حتى جمع كما هو فإنه من فعل الله عز وجل وتوليه جمعه أوحى به إلى نبيه عليه السلام وبينه عليه السلام للناس فلا يسع أحدا تقديم مؤخر من ذلك ولا تأخير مقدم أصلا
ونحن نبين فعل عثمان رضي الله عنه ذلك بيانا لا يخفى على مؤمن ولا على كافر وهو أنه رضي الله عنه علم أن الوهم لا يعزى منه بشر وأن في الناس منافقين يظهرون الإسلام ويكنون الكفر هذا أمر يعلم وجوده في العالم ضرورة فجمع من حضره من الصحابة رضي الله عنهم على نسخ مصاحف مصححة كسائر مصاحف المسلمين ولا فرق إلا أنها نسخت بحضرة الجماعة فقط ثم بعث إلى كل مصر مصحفا يكون عندهم فإن وهم واهم في نسخ مصحف وتعمد ملحد تبديل كلمة في المصحف أو في القراءة رجع إلى المصحف المشهور المتفق على نقله ونسخه فعلم أن الذي فيه هو الحق وكيف كان يقدر عثمان على ما ظنه أهل الجهل والإسلام قد انتشر من خراسان إلى برقة ومن اليمن إلى أذربيجان وعند المسلمين أزيد من مائة ألف مصحف وليست قرية ولا حلة ولا مدينة إلا والمعلمون للقرآن موجودون فيها يعلمونه من تعلمه من صبي أو امرأة ويؤمهم به في الصلوات في المساجد

القول الثالث:أن عثمان – رضي اللعه عنه -اختار من الأحرف السبعة ما وافق لغة قريش والعرضة الأخيرة وقراءة العامّة، وبقي الرسم العثماني محتملاً لبعض ما في الأحرف الأخرى ،قاله أبو طالب القيسي وابن الجزرى  و  ابن حجر
«والمصاحف العثمانية مشتملة على ما يحتمله رسمها من الأحرف السبعة فقط، جامعة للعرضة الأخيرة التي عرضها النبيّ صلّى الله عليه وسلّم على جبريل عليه السلام، متضمنة لها، لم تترك حرفا منها».

الخاتمة : وفيها خلاصة ما توصلت إليه في هذه الدراسة، وهو ما يأتي :
1-      إن الأحرف السبعة التي ثبتت في العرضة الأخيرة ، موجودة ومبثوثة في القراءات العشر و رواياتها ، حتى قيام الساعة ، فهي محكمة لم تنسخ باقية إلى الآن ، وهو الذي مال إليه جمهور المحققين ، ورأوا أن المصاحف العثمانية قد ثبتت ما استقر منها في العرضة الأخيرة ، أي في آخر مرة عرض فيها الرسول (صلى الله عليه وسلم) القرآن كاملا” أمام جبريل عليه السلام ؛ ولهذا كانت نسخها متفاوتة في الإثبات والحذف والبدل وغيرها ، خالية من النقط والشكل ؛ تحقيقا” لهذا الغرض.
2-      إن أدلة نزول القرآن الكريم على سبعة أحرف غير قاصرة على ما هو مبثوث من أحاديث في السنة النبوية المشرفة، بل يضاف إليها تنوع القراءات القرآنية الذي نشهده في القراءات العشر المتواترة فهو دليل على ذلك أيضًا.كما أن إجماع الصحابة الحاضرين عند عثمان على أن القرآن الكريم أنزل على سبعة أحرف دليل آخر عليها.
3-      مصدر الأحرف السبعة هو الوحي المنزّل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبذلك ينتفي الادعاء بأنه يسر للناس بأن يقرأوا وفق ما يشتهون ويستطيعون، بأن يقرؤوا بالمعنى أو بإبدال الكلمة القرآنية بما يماثلها في اللهجات العربية الأخرى أو بغير ما تعلموه عن النبي صلى الله عليه وسلم.

      4 -الأحرف السبعة هي أصل القراءات العشر المتواترة بحيث لا يخرج حرف ولا كلمة قرآنية أنزلت بالأحرف السبعة عن القراءات العشر المتواترة، لأحرف السبعة متناثرة في القراءات العشر المتواترة والتي تبلغ عشرين رواية (لكل قراءة روايتان) ، وليس صحيحا أن القراءات أو الروايات المتواترة العشرين هي جزءٌ من الأحرف السبعة ، فكل القراءات المعتبرة المتواترة لا تخرج عن الأحرف السبعة ، كما أن الأحرف السبعة موجودة في هذه القراءات المتواترة العشر ، وإسنادها صحيح متصل بالقراء المشهورين من الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن أشهرهم علي بن أبي طالب وعثمان بن عفان وعبدالله بن مسعود وأبي بن كعب وزيد بن ثابت وأبي موسى الأشعري ، وسالم مولى حذيفة وغيرهم، والدليل على أن رواية حفص عن عاصم تحوي أكثر من حرف -وليس حرف قريش فقط- هو أن الرواية التي سندها صحابةٌ قرشيون ، فيها تحقيق الهمز الذي هو قراءة الجمهور، بينما قريش لا تهمز كما هو في رواية ورش عن نافع.
      5 - بدأ نزول الأحرف السبعة في مكة واكتمل في المدينة .
     6- الحكمة من نزول القرآن الكريم على سبعة أحرف هو التيسير على الأمة ، ولا يقتصر ذلك على اللهجات بل يشهد التيسير في الأحكام الشرعية أيضًا، وفي غيرها من العلوم كالتفسير
    7- إن الرسم العثماني ، رسم توقيفي ، ولا يجوز مخالفته في رسم المصاحف ، دون مواضع الاستشهاد .