السبت، 30 يناير 2010

هل الفقر فضيلة ؟

الفقر قضية رئيسية في الوطن العربي وفي العالم الإسلامي، وكثير من العرب والمسلمين يعيشون تحت خط الفقر، بل إن الملايين يموتون جوعا في مالي وتشاد والصومال وإريتريا وجنوب السودان. تطعمهم الكنائس والمنظمات العالمية وهيئات الإغاثة الدولية. وفي الوقت نفسه تتراكم الثروات عند البعض الآخر

أصبح في الأمة أفقر فقراء العالم وأغنى أغنياء العالم في آن واحد..

وبدلا من استغلال هذه الثروات فى التنمية والبحث العلمى مازال يخرج علينا من يدعو الى الفقر ويسميه فضيلة وقد بحخثت فى القرآن وفى السنة كى أجد دليلا على ذلك فلم اجد دليلا واحدا صريحا يؤيد ذلك وسوف نتعرض لذلك بالتفصيل

تعرض القرآن الكريم لقضية الفقر في اثنتي عشرة آية بخمسة معان:

1- ليس الفقر فضيلة بل ابتلاء قد يؤدي إلى الفحشاء مثل التسول والذل والسرقة والاحتيال من أجل إقامة أود العيش والحفاظ على الحياة، [الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ]. ويروى عن الإمام على قوله «والله لو كان الفقر رجلا لقتلته».

2- ليس الفقر صفة الله كما تصور اليهود لأن الله غني، [لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ]. وهو إسقاط من تصور اليهود لله على أنه لا يعطيهم بما فيه الكفاية. ويرد القرآن على هذا التصور اليهودي لله بأن الله هو الغني وأنهم هم الفقراء ويخاطب الناس جميعا، [يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ]. ويرد الله عن نفسه تهمة الفقر. ويصف نفسه بالغني، وأن البخل والفقر من شيم الإنسان، [مَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ]. وأن الإنسان فقير لما نزّل به الله من خير، [فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ]. والكل فقير إلى الله.

3-الفقراء والأغنياء عند الله سواء، [إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللهُ أَوْلَى بِهِمَا]. فالبشر سواء في الخلق. والطبقات الاجتماعية وضع طارئ متغير. الغني اليوم فقير غدا. والفقير اليوم غني غدا. لا تفرق بين البشر الذين يوحدهم الخلق. كرامة الإنسان من حيث هو إنسان في ذاته وليس من حيث غناه أو فقره. {وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }النور32

حقوق الإنسان حقوق طبيعية قبل وضعه الاجتماعي أو بعده. والمساواة في الحقوق لاترتبط بالوضع الاجتماعى لا فرق بين سكان القصور وسكان النجوع، بين المدن والقرى، بين أطفال المنازل وأطفال الشوارع

4- مبررات الفقر:

ذكر القرآن مبرران فقط للفقر

1 -{لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ }البقرة273» .

الحصر : هنا بمعنى المنع ، ويقول المفسرون : أن الآية الكريمة تحدثت عن مجموعة من الفقراء كانوا في المدينة ، وهم من أهل الصفة ، وأهل الصفة فقراء يتواجدون حول المسجد النبوي ، أو أمامه في رحبته خارج المسجد حسبوا أنفسهم عن العمل للمعاش .

وقد اختلفوا في سبب هذا الحبس .

فقيل : أنهم فعلوا ذلك لأنهم هيأوا أنفسهم للجهاد خوفاً من الكفار .

وقيل : إن بعضهم منعه المرض من الكسب ، والتجارة .

وقيل : إنهم انصرفوا للعبادة .

وقيل : غير هذا

إلا أن الذي لا خلاف فيه هو أن هؤلاء لم يستطيعوا العمل ، والكسب ، وهو المقصود بقوله تعالى :

« لا يستطيعون ضرباً في الأرض »أى سفراً (في الأرض) للتجارة والمعاش لشغلهم عنه بالجهاد

. « لا يسألون الناس إلحافاً » (يحسبهم الجاهل) بحالهم (أغنياء من التعفف) أي لتعففهم عن السؤال وتركه

هؤلاء الفقراء لشدة تحملهم ، وظهورهم بالمظهر اللائق الذي يحفظ لهم كرامتهم ، وعزتهم ، وعدم مد يد الذل الى الغير جعلهم ذلك أغنياء في نظر الناس ممن يجهل حالهم ، فانهم يحملون بين جوانبهم قلوباً ملؤها الإيمان بالله ، ونفوسا أبية تأبى أن تلوي جيداً لغير الله سبحانه .

(تعرفهم) يا مخاطب (بسيماهم) علامتهم من التواضع وأثر الجهد (لا يسألون الناس) شيئاً فيلحفون (إلحافا) أي لا سؤال لهم أصلا فلا يقع منهم إلحاف وهو الإلحاح (وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم) فمجاز عليه.

.

2 -{لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ }الحشر8 صورة صادقة تبرز فيها أهم الملامح المميزة للمهاجرين . . أخرجوا إخراجا من ديارهم وأموالهم . أكرههم على الخروج الأذى والاضطهاد والتنكر من قرابتهم وعشيرتهم في مكة . لا لذنب إلا أن يقولوا ربنا الله . . . وقد خرجوا تاركين ديارهم وأموالهم (يبتغون فضلا من الله ورضوانا)اعتمادهم على الله في فضله ورضوانه . لا ملجأ لهم سواه , ولا جناب لهم إلا حماه . . وهم مع أنهم مطاردون قليلون (ينصرون الله ورسوله). . بقلوبهم وسيوفهم في أحرج الساعات وأضيق الأوقات . (أولئك هم الصادقون). . الذين قالوا كلمة الإيمان بألسنتهم , وصدقوها بعملهم . وكانوا صادقين مع الله في أنهم اختاروه . وصادقين مع رسوله في أنهم اتبعوه . وصادقين مع الحق في أنهم كانوا صورة منه تدب على الأرض ويراها الناس !

5 - الصدقة ليست مِنـّه من الأغنياء، بل هي حق الفقراء في أموال الأغنياء، فالمال مال الله، والإنسان مستخلف فيه. له حق الانتفاع والتصرف والاستثمار. وليس له حق الاستغلال أو الاحتكار أو الاكتناز. {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }التوبة60 قال السيوطى وإيتاؤها الفقراء متعين يعنى حق كما فى آية أخرى {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ }الذاريات19

الله هو الغني. وهو الذي يوزع الرزق على العباد، [إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ]. وتكون سرا من الغني إلى الفقير من دون دعاية أو إعلان، [وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ]،

من السنة

الفقر ابتلاء مثل المرض يستعاذ بالله منه قرن الرسول بينه وبين الكفر

من دعائه صلى الله عليه وسلم "اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكُفْرِ وَالْفَقْرِ اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ"أخرجه ابن ماجه وصححه الألبانى

و جاءت أحاديث أخرى بالاقتران بينهما في الاستعاذة، كقوله عليه الصلاة والسلام: اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر. رواه أبو داود وأحمد

قال المناوي في فيض القدير: وقرن الفقر بالكفر لأنه قد يجر إليه

و جاء في أحاديث ضعيفة : كاد الفقر أن يكون كفرا، وكاد الحسد أن يسبق القدر. ضعفه الألباني.

وفي معجم الطبراني: كاد الحسد أن يسبق القدر، وكادت الحاجة أن تكون كفرا.

قال في فيض القدير: قال الحافظ العراقي : وفيه ضعف، وقال السخاوي: طرقه كلها ضعيفة.

وقال العيني في عمدة القاري: وذلك لأن الفقر ربما يحمل صاحبه على مباشرة ما لا يليق بأهل الدين والمروءة، ويهجم على أي حرام كان ولا يبالي، وربما يحمله على التلفظ بكلمات تؤديه إلى الكفر.

قال المناوي في فيض القدير: ( كاد الفقر ) أي الفقر مع الاضطرار إلى ما لا بد منه كما ذكره الغزالي -أن يكون كفرا- أي: قارب أن يوقع في الكفر؛ لأنه يحمل على حسد الأغنياء، والحسد يأكل الحسنات، وعلى التذلل لهم بما يدنس به عرضه ويثلم به دينه، وعلى عدم الرضا بالقضاء وتسخط الرزق، وذلك إن لم يكن كفرا فهو جار إليه، ولذلك استعاذ المصطفى صلى الله عليه وسلم من الفقر. وقال سفيان الثوري: لأن أجمع عندي أربعين ألف دينار حتى أموت عنها أحب إلي من فقر يوم وذلي في سؤال الناس. قال : ووالله ما أدري ماذا يقع مني لو ابتليت ببلية من فقر أو مرض فلعلي أكفر ولا أشعر. فلذلك قال: كاد الفقر أن يكون كفرا؛ لأنه يحمل المرء على ركوب كل صعب وذلول وربما يؤديه إلى الاعتراض على الله والتصرف في ملكه...إلخ.

.

شبهات وردها

1- حديث (اللهم أَحْيِنِي مِسْكِينًا ، وَأَمِتْنِي مِسْكِينًا ، وَاحْشُرْنِي فِي زُمْرَةِ الْمَسَاكِينِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) . وقَالَ الترمذي : هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ .

ورواه ابن ماجه (4126) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه .

وقد ضعفه كثير من أهل العلم ، وعلى فرض صحته فالمراد بالمسكنة هنا التواضع والإخبات ، وليس المراد قلة المال .

قال ابن كثير في "البداية والنهاية" (6/75) :

" فأمَّا الحديث الذي رواه ابن ماجه عن أبي سعيد أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال : ( اللهم أحيني مسكيناً . . . الحديث ) فإنَّه حديث ضعيف ، لا يثبت من جهة إسناده ، لأن فيه يزيد بن سنان أبا فروة الرَّهاويّ وهو ضعيف جداً ، والله أعلم .

وقد رواه التّرمذيّ من وجه آخر عن أنس . . . ثم قال : هذا حديث غريب .

قلت (ابن كثير) : وفي إسناده ضعف ، وفي متنه نكارة ، والله أعلم " انتهى .

وَقَالَ الْحَافِظُ فِي "التَّلْخِيصِ" (3/109) بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ :

" رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَاسْتَغْرَبَهُ , وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ . وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَوَاهُ اِبْنُ مَاجَهْ ، وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ أَيْضًا , وَلَهُ طَرِيقٌ أُخْرَى فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ حَدِيثِ عَطَاءٍ عَنْهُ ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ " انتهى .

وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن هذا الحديث فقال :

" هذا يُرْوَى ، لكنه ضعيف لا يثبت ، ومعناه : أحيني خاشعا متواضعا ، لكن اللفظ لم يثبت " انتهى . "مجموع الفتاوى" (18/357) .

2 الفقراء يسبقون الاغنياء

قال ابن القيم : حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله قال(( يدخل فقراء المسلمين الجنة قبل أغنيائهم يوم وهو خمسمائة عام ))وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح ورجال إسناده احتج بهم مسلم في صحيحه

وروى الترمذي من حديث ابن عباس الدوري عن المقبري عن سعيد بن أبي أيوب عن عمرو بن جابر الحضرمي عن جابر بن عبد الله عن النبي أنه قال ((يدخل فقراء أمتي الجنة قبل الأغنياء بأربعين خريفا ))وفي صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمرو قال سمعت رسول الله يقول ((فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم القيامة بأربعين خريفا )) والذي في الصحيح أن سبقهم لهم بأربعين خريفا فأما أن يكون هو المحفوظ وإما أن يكون كلاهما محفوظا وتختلف مدة السبق بحسب احوال الفقراء والأغنياء فمنهم من يسبق بأربعين ومنهم من يسبق بخمسمائة كما يتأخر مكث العصاة من الموحدين في النار بحسب أحوالهم والله أعلم

ولكن عنها ههنا أمر يجب التنبيه عليه وهو أنه لا يلزم من سبقهم لهم في الدخول ارتفاع منازلهم عليهم بل قد يكون المتأخر أعلى منزلة وأن سبقه غيره في الدخول والدليل على هذا أن من الأمة من يدخل الجنة بغير حساب وهم السبعون ألفا وقد يكون بعض من يحاسب أفضل من أكثرهم والغني إذا حوسب على غناه فوجد قد شكر الله تعالى فيه وتقرب إليه بأنواع البر والخير والصدقة والمعروف كان أعلى درجة من الفقير الذي سبقه في الدخول ولم يكن له تلك الأعمال ولا سيما إذا شاركه الغني في أعماله وزاد عليه فيها والله لا يضيع أجر من أحسن عملا فالمزية مزيتان مزية سبق ومزية رفعة وقد يجتمعان وينفردان فيحصل الواحد السبق والرفعة ويعدمهما آخر ويحصل لآخر السبق دون الرفعة ولآخر الرفعة دون السبق وهذا بحسب المقتضى للأمرين أو لأحدهما وعدمه وبالله التوفيق

الخلاصة أن الفقر ليس عيبا ولكن ليس فخرا بل هو ابتلاء كالمرض لايدعو الإنسان به ويسأل الله العافية منه وإن أصابه صبر و رضى فنال أجر الصابرين

والغنى نعمة تستحق الشكر سوف يسأل العبد عنها أيضا فإن ادى حقها واعطى واتقى كان من المحسنين الشاكرين وإن طغى وبغى وبخل واستغنى كان من المفسدين

وبالله التوفيق

--------------------------------------------------------------------------------